مقال
عادل رشاد غنيم
حقوقك لدى الآخرين قضية مهمة عُني بها الإسلام، وسن الأحكام لتقريرها
وحمايتها، وبطبيعة الحال فإن حقوق الآخرين عليك هي كذلك موضع عناية الإسلام، فحقوقك هي واجبات الآخرين تجاهك، وحقوق الآخرين هي واجباتك تجاههم.
ومن منطلق العدل طالبنا الإسلام باحترام حقوق الناس بالقوة نفسها التي طالب
فيها الناس باحترام حقوقنا، لكننا نجد أناساً مرضى بالأنانية يطالبون بحقوقهم،
وفي الوقت نفسه يرفضون أداء واجباتهم! .
ولقد وصف القرآن الكريم هذا النوع من الناس بقوله: [وإن يكن لهم الحق
يأتوا إليه مذعنين] [1] ، أي أنهم لا يذعنون للحق إلا إذا كان لهم، أما إذا كان
الحق عليهم فالإعراض هو شأنهم.
وشرٌ من هؤلاء من أخذ حق غيره دون وجه مشروع، يقول رسول الله:
(من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال
رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: وإن كان قضيباً من أراك « [2] .
والمجتمع الذي تعيشه تربطك بأفراده علاقات عدة، تنشيء بينك وبينهم
منظومة من الحقوق المتبادلة، وعليك أن تنجح في هذه المعادلة الصعبة فتعطي كل
ذي حق حقه.. وهذا ما أكده حديث سلمان رضي الله عنه: (إن لربك عليك حقاً،
وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه» [3] .
فالقرابة علاقة اجتماعية يترتب عليها حقوق أسرية.. [وآتِ ذا القربى
حقه..] [4] ، والجوار ينشأ عنه حقوق، كما في حديث عائشة رضي الله عنها: «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» [5] .
والإسلام علاقة مكينة تبني الأخوة التي توجب على المسلمين جملة من
الحقوق: ففي صحيح مسلم (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه،
وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا
مرض فعده، وإذا مات فاتبعه) « [6] .
وهناك علاقات تنشأ نتيجة العقود، وقد أحاطها الإسلام برعاية كبرى لأنها
من أهم مصادر الالتزام، فالقرض عقد يفرض على المدين حق السداد للدائن.
عن أبي سعيد الخدري قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-
يتقاضاه ديناً كان عليه، فاشتد عليه حتى قال له: أحرج عليك إلا قضيتني،
فانتهره أصحابه وقالوا: ويحك! ترى من تكلم؟ قال: إني أطلب حقي، فقال
النبي -صلى الله عليه وسلم-:» هلا مع صاحب الحق كنتم؟ «ثم أرسل إلى
خولة بنت قيس فقال لها:» إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمرنا فنقضي
لك «فقالت: نعم بأبي أنت يا رسول الله، قال: فأقرضته فقضى الأعرابي
وأطعمه، فقال الأعرابي: أوفيت أوفى الله لك، فقال -صلى الله عليه وسلم-:
أولئك خيار الناس، إنه لا قدست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع» [7] .
والتوظيف عقد يوجب على الموظف أداء عمله وفق شروط العقد ويجب على
صاحب العمل دفع الأجر وسائر المستحقات للموظف (المسلمون عند شروطهم) [8] .
لقد أمرنا الله تعالى أمراً صريحاً بالوفاء بالعقود والتزاماتها: [يا أيها الذين
آمنوا أوفوا بالعقود ... ] [9] .
ومن غير المقبول أن يمتنع صاحب العمل عن إعطاء عماله أجورهم مستخفاً
بها تماماً، كما هو غير مقبول من العمال التقصير في المهام المسندة إليهم.. فهل
أنت أخي القارئ ممن يعطي الحق من نفسه كما يريده من غيره؟ !
إن الإسلام لا ينتظر حتى يثور النزاع بين الخصوم ليصل إلى ساحة القضاء
لتفصل المحاكم في دعاوى الحقوق.. إنه يؤسس محكمة داخل كل نفس إنها محكمة
«تقوى الله» تصدر حكمها بالحق ولو على الذات.
ولنسمع قول رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وهو يخاطب النفس المؤمنة:
(لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) [10] . ومعنى ذلك أن يبادر الإنسان برد الحقوق إلى أهلها في حياته قبل أن يقف موقفاً
لا يملك فيه شيئاً، لهذا نصحنا رسول الله: (من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه
أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل
صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل
عليه) [11] ، وهذا هو الإفلاس الحقيقي الذي يجب أن نحذر الوقوع فيه..
لقد أعطى الرسول -صلى الله عليه وسلم- للإفلاس معنى أعم مما تعارف
عليه الناس ودعني أذكرك بهذا الحوار الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلم-
وصحبه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من
حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من
خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) « [12] .
وعلى الرغم من وضوح هذه الحقائق إلا أن بعض الناس يبيع دينه بأبخس
ثمن، ويأكل حقوق الناس بالباطل وهو ذاهل عن المصير المظلم الذي ينتظره لذلك
أقر الإسلام مبدأ الحماية للحقوق عن طريق القضاء برفع دعوى من قبل الشخص
صاحب الحق..
وبالطبع لابد للدعوى من دليل أو بينة، فكما قال النبي: (لو يعطى الناس
بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى
عليه) [13] .
وفي عالم القضاء وصخب الخصوم في المحاكم قد ينجح بعض الخبثاء من
خلال إبراز بعض الحجج الملفقة، أو اليمين الفاجرة، أو شهادة الزور ويحصل
على حكم قضائي لصاحبه، ولا يعني هذا أن ما أخذه أصبح حقاً له بل هو سحت،
اقرأ بيان ذلك عن أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إنما أنا
بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، أقضي
له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فإنما أقطع له
قطعة من النار) [14] .
أما اليمين الفاجرة فحسب صاحبها العذاب الأكبر كما قال رسول الله: (لا
يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده
من النار) » [15] .
ونظراً لخطورة الشهادة على سير القضاء اعتبرت شهادة الزور من أكبر
الجرائم، (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ شهادة الزور «) [16] .
وينبغي أن نتنبه لمسألة الشهادة إذا دعينا إليها، فلا نشهد إلا بعلم ونلبي أداء
الشهادة حينذاك: [ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه] [17] وهكذا
نساعد في حماية حقوقنا من العدوان عليها من قبل كل مغتصب غشوم.
والله المستعان.