مجله البيان (صفحة 1632)

متابعات

قراءة نقدية

د. عبد الرحمن بن صالح العشماوي

أعترف بدءاً أنني أخضع لمزاجية عجيبة في الكتابة النثرية، حيث تمر بي

فترات طويلة وأنا أتهيأ للكتابة في موضوع ما من موضوعات الثقافة والأدب دون

أن أتمكن من البدء في الكتابة فعلاً، فإذا تجاوزت هذه المرحلة وكتبت تعاملت مع

الموضوع أو القضية تعامل الباحث الحريص على توثيق معلوماته فالحمد لله الذي

جعل هذه الإيجابية تقابل تلك السلبية، ولله في خلقه شؤون.

أذكر هذا لأقدم عذراً عن الأخوة في مجلة البيان إلى الأخوة والأخوات قراء

هذه المجلة؛ إذ أنني وعدتهم حينما عرضوا عليّ الكتابة النقدية لما نشر من أعمال

أدبية نقدية وإبداعية في أربعة أعداد من المجلة، وعدتهم بالكتابة، ثم مررت بتلك

المزاجية المزعجة التي تنشأ أثناءها وحشة بين يدي وقلمي، حتى إذا شارف هذا

الملحق الأدبي على الصدور وتوالت اتصالات الأخوة بي لإنجاز ما وعدتهم، يسّر

الله لي اقتحام حاجز تلك المزاجية فكتبت هذه الدراسة على عجلة من أمري، وإنما

أعتذر هنا عن مجلة البيان ليعلم الأخوة أنني السبب المباشر في حرمانهم من دراسة

نقدية أعمق وأشمل كان بالإمكان أن يكتبها غيري من النقاد الإسلاميين المقتدرين.

حينما قرأت البيان الأدبي في عدد (67) الصادر في شهر ربيع الأول 1414

هـ 9/1993م، واجهت أول موضوع فيه بعنوان «نحو شعر إسلامي مبدع

» للأستاذ إبراهيم بن منصور التركي، وبعد قراءة متأنية لهذا الموضوع برزت أمامي صعوبة كتابة هذه الدراسة النقدية التي يُفترض فيها أن تتناول ما نشر من أدب في أربعة أعداد من مجلة البيان، ذلك لأن موضوع «نحو شعر إسلامي مبدع» يحتاج إلى وقفات مع عدد من القضايا التي تثار بصورة مستمرة في المنتديات واللقاءات الأدبية وعلى صفحات المجلات، بل وفي بعض الكتب والدراسات النقدية، وهذه الوقفات كفيلة مع الاختصار أن تذهب بالمساحة المخصصة لهذه الدراسة النقدية، أو أن تذهب بجهد الكاتب وفورة نشاطه، فما يبقى بعد ذلك للموضوعات الأخرى مجالٌ أو نصيب من هذه الدراسة، وهذا ما جعلني أفكر في أمر هذه الدراسة النقدية ثم أصل بعد هذا التفكير إلى اقتراح أطرحه أمام الأخوة في مجلة «البيان» لعلهم ينفذونه، وهو: أن يقوم بهذه الدراسة النقدية عدد من الدارسين يختص كل واحد منهم بدراسة الإبداع الأدبي في عدد من أعداد المجلة، وفي هذا إتاحة الفرصة لعدد أكبر من النقاد، كما أن فيه تنويعاً في الدراسات النقدية، وإثراءً للملف الأدبي وتسهيلاً على الناقد، فآمل أن يعمل بذلك مستقبلاً.

وأقول للأخوة والأخوات: إنني لن أستطيع أن أدرس هنا النصوص الأدبية

شعراً ونثراً ولا الدراسات النقدية التي نشرت في الأعداد الأربعة الماضية من مجلة

البيان، وذلك لعدم إمكانية إنجاز هذه الدراسة الشاملة ونشرها في مساحة محدودة

ووقت محدود.

ولربما اقتصرت دراستي هذه على مناقشة بعض القضايا التي وردت في

المقال النقدي الذي أشرت إليه سابقاً «نحو شعر إسلامي مبدع» ، فأقول وبالله

التوفيق:

إنني أولاً أحتفل احتفالاً نفسياً كبيراً بكل دراسة نقدية إسلامية أراها، لأن

الأدب الإسلامي بحاجة ماسة إلى الدراسات النقدية الجادة التي تتصف بالموضوعية

القائمة على رؤية فنية شمولية وتصور إسلامي نزيه والإبداع الإسلامي في مجال

الأدب نثره وشعره غزير غزارة المشاعر الإسلامية التي تملأ نفوس المسلمين في

هذا العصر، ولكن المواكبة النقدية لهذا الإبداع ماتزال قاصرة عن دراسته وغربلته

وتقديمه للناس أدباً بديعاً يرتقي بالأذواق ويحرك المشاعر، ويحقق المتعة، ويؤدي

الرسالة.

وقد سرني ما ورد في هذه الدراسة النقدية التي نحن بصدد الحديث عنها من

إشارات فنية لها قيمتها في مجال الدراسات الأدبية، كما سرني ما أشار إليه الكاتب

من ضرورة وجود رؤية إسلامية في الأدب تطهر الساحة الثقافية التي «ثملت من

ماء الفكر الآسن المتلوث بمعميات العلمانية والقومية والعقلانية والتنوير وما

أشبهها» .

ولكن هذه الدراسة وقعت فيما تقع فيه كثير من الدراسات النقدية المستعجلة

من أحكام عامة، ومن اعتماد على بعض الآراء النقدية الشائعة حول فنية النص

الأدبي وجماليته ومدى مشروعية المنفعة في النص الأدبي، وتعارض هذه المنفعة

مع «المتعة الفنية» التي يحققها الأدب لقرائه.

ويحسن بنا أن نرتب القضايا التي وردت في هذه الدراسة ترتيباً يتيح لنا أن

نناقشها مناقشة موضوعية نافعة:

1- قضية الفهم الناقص لإسلامية الأدب، وقد كان الكاتب على حق فيما ذكره

من القراءات الخاطئة عند بعض نقاد الأدب الإسلامي، تلك القراءات التي

اضطربت بسببها الأحكام النقدية التي أُطلقت على بعض الأعمال الأدبية، فالحق أن

مسرحية «أهل الكهف» لا تمت إلى إسلامية التصور بصلة، ولا تتصل بالأدب

الإسلامي بسبب من الأسباب وإن كانت تحمل اسم سورة من سور القرآن الكريم،

وتُشير إلى قصة وردت موجزة في بعض آياته، وما قيل عن هذه المسرحية يقال

عن المسرحية الشعرية «مأساة الحلاج» التي كتبها الشاعر الماركسي صلاح

عبد الصبور ولكن هذه القراءات الخاطئة لا تعني اضطراب التصور الإسلامي في

الأدب في ذاته، وإنما اضطراب التصور في ذهن بعض النقاد، على أن هذا

الاضطراب قد بدأ يتلاشى بعد أن حظيت الرؤية الإسلامية في الأدب بعدد لا بأس

به من الدراسات النقدية الجادة، والحوارات الهادفة.

2- قضية فنية الأدب وجماليته وعلاقة ذلك بالمنفعة، أو بالهدف الخلقي وهنا

بدأ يضطرب قلم الأخ إبراهيم، حيث جنح إلى التعميم بصورة أفقدت دراسته في

هذه النقطة قيمتها النقدية، وقد بدأ هذا الاضطراب بقوله: «إذ لازال بعض من

منظري الأدب الإسلامي ومطبقيه يصر على تكبيل الشعر والحد من قدراته الجمالية، تارة بإلباسه عباءة الهدف الأخلاقي، أو سربلته تارة أخرى في ثياب المكاسب

النفعية المجردة» . وهذا الكلام بعيد عن حقيقة العلاقة بين جمالية النص الأدبي

ونفعيته فهو متأثر بتلك الأحكام النقدية العامة التي تُطلق من أصحاب نظرة «أدبية

الأدب» أو «شعرية الشعر» ، أو قبل ذلك جماعة الفن للفن، وهذا التأثر

المقصود أو غير المقصود نقصٌ كبير يحدث خللاً في دراسة الناقد الإسلامي الذي

يتصدى لدراسة النصوص الأدبية دراسة نقدية إسلامية وما كنت أظن أن الكاتب

سيقف هذه الوقفة المضطربة عند «غائية الأدب» ونفعيته، فالمسألة عندنا

واضحة لا تحتاج إلى أن ننقل بعض العبارات البعيدة عن حقيقة التصور الإسلامي

في الأدب، فقول الأخ إبراهيم: «أرى أن الفن بكل مفرداته ليس إلا عملاً غائياً

ينتهي عند تحقيق الإمتاع المشروع» ، إنما هي الشنشنة التي نعرفها من دعاة الفنية

الخالصة في العمل الأدبي، الذين يرون أن غاية الأدب تحقيق المتعة الفنية «لأن

الفن الخالص هو الذي يرفعنا إلى السعادة والمعرفة» على حد قول إدجار ألن بو. [1]

إن الاضطراب في هذه القضية ينشأ من عدم الإدراك الواعي لمعنى غائية

الأدب الإسلامي، تلك الغائية التي لا تدعو إلى الحد من قدرات النص الجمالية

والتي لا ترى أن «عباءة الأخلاق» تحول بين الشاعر والإبداع الفني، ولا نريد

أن ندخل في متاهات فلسفة الجمال وما يسمى بالإمتاع المشروع؛ لأن ذلك سيفتح

أمامنا نوافذ أسئلة كثيرة لا يتسع لها المقام هنا.

ولقد دفع هذا الاضطراب في الفهم الكاتب إلى أن يفصل بين الهدف الأخروي

والهدف الدنيوي، وذلك أمر عجيب، فإن النص الأدبي الذي يحقق هدفاً أخروياً،

إنما يحققه لما يحمله من هدف فيه منفعة عاجلة في الدنيا تكون هي السبيل إلى

تحقيق الهدف الأخروي، إن الشاعر الذي يجعل جمالية النص الشعري وسيلة نحو

هدف خلقي أو فكري أو إصلاحي شامل، هو الشاعر الذي يحقق غائية الأدب

الإسلامي التي ندعو إليها، ولا أدري كيف يخطر بالبال أن أدبية النص لا تتحقق

بشكلها الراقي إلا عندما يتجرد النص من النفعية، وقد كرر الكاتب كلمة «المكاسب

النفعية» وهي كلمة عامة هنا تحتاج إلى بيان، فإن كان المقصود بها المنافع

الشخصية التي يحصر الشاعر أو الأديب نفسه في إطارها، فهذه مسألة لها حديث

آخر، فإن الأدب الإسلامي بتصوره الشامل لا يقبل أن تطغى هذه المنافع الشخصية

على جمالية النص وإبداعه، بل إن هذه المنافع تقضي على القيمة الأدبية والمعنوية

للنص، وإذا كان المقصود بالمكاسب النفعية الأهداف العظمى التي يرمي إليها

الأديب من وراء أدبه، فإن هذه الأهداف هي التي تتعانق مع الجانب الفني في

النص لإعطائه القيمة الأدبية. وهذه القضية دار فيها الحوار بين النقاد واختلفت

فيها الآراء «فما مفهوم الجمال؟ وكيف يدرك؟ وما المقاييس التي ينضبط بها؟

وما نظرياته؟ وما فلسفته..؟» . لا شك أن الاختلاف في تفسير هذه المفاهيم

راجع إلى تعارض المذاهب واختلافها وخاصة أن هذا العلم حديث لا يمكن إخضاعه

للمناهج العلمية «. [2]

ومن هنا كان من الخطأ في دراسة الأخ إبراهيم أن يفرض رأيه على القضية

فيحكم بأن نفعية النص الأدبي وغائيته عائقٌ من عوائق الفنية والجمالية فيه، مع أن

الرأي الأصوب أن النص الأدبي يرقى إلى درجة النضج الفني عندما تنسجم جماليته

مع نفعيته فلا تجني إحداهما على الأخرى؛ والمتعة الفنية ليست هي الهدف

الأساسي في النص الأدبي، وإنما هي وسيلة تجعل للنص الأدبي قيمة خاصة عند

المتلقي؛ لتصل من خلاله الرسالة التي يهدف إليها الأديب.

فإذا كان» كانت «يرى أن للجمال بنية ذاتية في الفن، وأن جمال الفن يكمن

في هذه البنية الفنية دون النظر إلى المضمون والغاية» [3] ، فإن «ديدرو» يرى

أن تصور الفضائل محبوبة والرذائل مذمومة هو واجب كل إنسان كريم؛ فبين

الحق والخير والجمال وشائج، فيصير الحق جميلاً والخير جميلاً والصبر جميلاً

والنافع جميلاً «. [4]

بل إن» تولستوي «يؤكد أن الفن» يستطيع أن يقدم النفع للبشرية بمقدار ما

تقدمه أي وسيلة توصيل أخرى تكون نشطة في نفع البشر «. [5]

إن هذه الآراء التي صدرت من أدباء ونقاد بعيدين عن التصور الإسلامي

تؤكد أن القضية عندهم داخلة في دائرة الاختلاف، وما استشهدت بهذه الآراء إلا

لأذكر الأخ إبراهيم أن» نفعية الأدب «بمعنى» تحقيقه لغايات سامية «في

الرؤية الإسلامية ليست بدعاً من القول، ولم يختص الأدباء الإسلاميون بطرحها،

بل إنها قضية الفن بعامة والأدب بخاصة عند كل الأمم، وأحب أن أقول له: إن

هذه الغائية ليست هي السبب في ضعف الجانب الفني في النص الأدبي، وإنما هي

سبب من أسباب قوة هذا الجانب إذا توافر عليها أديب مبدع.

3- قضية التقريرية والوضوح والخطابية التي سماها الكاتب» إثماً «وإنما

الإثم أن نطرح الموضوعية ونلقي بها جانباً، ومسألة التقريرية والوضوح

والخطابية مسألة واضحة لا أدري متى يقف فيها الذين يثيرونها عند حد معقول،

فالوضوح والخطابية والتقريرية أمور نسبية لا تُعد في ذاتها عيباً، ولا يصح أن

تُسمى إثماً وإنما تعاب عندما تتعارض مع فنية النص الأدبي، أو تأتي بصورة فجّّة

خالية من روح الأدب وروعة تصويره وحسبنا هذا القول في هذه القضية فهي

واضحة لا تحتاج إلى بيان.

4- قضية» الوحدة العضوية «في القصيدة الإسلامية: وقد عجبت لما ذهب

إليه الكاتب من وجوب التخطيط والإعداد المسبق للقصيدة وكأنه لايعرف معنى

الشعر وكيف يكون، إن تشرذم القصيدة وشتاتها مرفوض، بل إن انضمام أبيات

القصيدة إلى بعضها وتعانقها في أداء معنى عام سمة بارزة من سمات الشعر

الإسلامي الجيد، وقد استشهد الكاتب بكلام للشاعر المبدع» محمود مفلح «قال فيه:» إنه لا يهندس القصيدة ولا يجلس لها ولا يستجديها «، وعد الكاتب هذا القول

دليلاً على فقدان التلاحم في الشعر الإسلامي، وهذا أمر عجيب، فالشاعر محمود

مفلح من أبرز الشعراء الإسلاميين، وأقدرهم على كتابة القصيدة الرائعة المتلاحمة

فنياً ومضموناً، ومع ذلك فهو صادق فيما قاله من عدم هندسته للقصيدة، ولا علاقة

بين هذا أبداً وبين تشرذم القصيدة وتشتتها، ولعل الكاتب قد خلط بين ما يصنعه

الشاعر وما يجب أن يصنعه القاص أو الكاتب المسرحي، وشتان بين الأمرين.

5- قضية الشعر الحر: والذي أعرفه أن أكثر الشعراء والنقاد الإسلاميين

يتقبلون التجديد الإيقاعي بل ويكتبون قصائد تفعيلية رائعة، ويعجبون بالجيد من

هذا الشعر، وليس الشعر» الموزون المقفى «عيباً بل هو ميزة كبرى إذا توافر له

شعراء مبدعون، وقد أشار الكاتب إلى ذلك ولكنه وقع في تعميم آخر وما أكثر

التعميمات عند الأخ إبراهيم حتى إني لأخشى عليه أن يغرق في بحر من التعميم لا

شاطئ له ويبدو أنه يعاني من» جاهزية «الفكرة والرأي والموقف، ومن خلال

هذه الجاهزية كان له موقفه التعميمي من الشعر الإسلامي، الذي أخذ يردد من

خلاله ما يردده» الآخرون «من عبارات» الجمود الشكلي والجمود الدلالي

والتسطيح «وغيرها، وربط ربطاً غريباً بين المعاني المستهلكة في شعر الغزل

من وصف الخدود والقدود وصفاً مكرراً وبين المعاني التي تدور في أكثر نماذج

الشعر الإسلامي المعاصر، حول اغتصاب أنثى: وتيتم طفل وإبادة الرجال

والشيوخ، وعدّ هذه المعاني مستهلكة وشبهها بقصيدة أبي البقاء الرندي الباكية

الحزينة. وأقول للأخ إبراهيم: قاتل الله النظرة الجزئية القاصرة إلى الأدب، كم

تجني على آراء صاحبها، فشتان بين المعاني المستهلكة في الغزل، والمعاني

المكررة في شعر القضايا الإسلامية المعاصرة، إنك تدعو إلى أن يغتال الشاعر

لحظة التفاعل عنده، حتى يحقق لك رغبتك في كتابة قصيدة قائمة على» رسم

هندسي «وتخطيط قائم على التتابع المنطقي على حسب قولك إنك تصادر رأي

غيرك وهذا أمر خطير، ولا أريد لموهبة نقدية مثل موهبتك أن تموت في بوتقة

» الجمالية الخالصة «التي تدعو إليها، إني أقرأ شعر المتنبي الذي يدور في مجمله حول قضية واحدة ألا وهي شعور المتنبي بالعظمة الذي يبرز في كل قصيدة يكتبها تقريباً، ومع ذلك فإن المتعة الأدبية تتحقق، وتشعر بالتجدد في هذا التكرار، وكذلك أقرأ ديوان محمود مفلح» حكاية الشال الفلسطيني «وديوانه الآخر» شموخاً أيتها المآذن «ومعظم قصائدهما عن فلسطين، فأجد المتعة الفنية بالرغم من تكرار الحديث عن القضية ثم من الذي قال إن الشعر الإسلامي ينحصر في الشعر المأساوي؟ ! إن دواوين الشعراء الإسلاميين تزخر بالشعر الوجداني، وشعر الغزل العفيف، وما عليك إلا أن تتصفح دواوينهم وتتابع إنتاجهم لترى الحقيقة التي تصفع التعميم وتُحرق أثواب العبارات النقدية الفضفاضة. [6]

ومع كل ذلك فإني أرى فيك شخصية ناقد، آمل أن تستقر على أرض صلبة

من الرؤية النقدية الموضوعية، وما أحوج الأدب الإسلامي إلى دراسات نقدية

تتناول نصوصه الشعرية والنثرية بالدراسة بدلاً من الدراسات القائمة على ترديد

مصطلحات وعبارات نقدية تحتاج إلى تمحيص، والله المستعان.

وأقول أخيراً، إن في العدد (67) من مجلة» البيان «قصيدة من شعر

التفعيلة للدكتور محمد بن ظافر الشهري بعنوان» برقية إلى بيقوفيتش «تتميز

بإيقاعها الجميل، وتقوم على أسلوب الرسالة المباشرة من الشاعر إلى الرئيس (علي

عزت) رئيس البوسنة والهرسك، كما أنها تعتمد أسلوب التداعي» تداعي الصورة

والفكرة «، وقد أكسبها هذا التداعي تسلسلاً في طرح المعاني التي أراد الشاعر

طرحها، مع مزاوجة بين الجدية المتمثلة في تعبير الشاعر عن الصلة الإسلامية

القوية بينه وبين الرئيس البوسني، والسخرية المتمثلة في الحديث عن موقف العالم

الإسلامي السلبي:

» خذ منا شجباً!

خذ تنديداً..

وخطاباً معتدل اللهجةْ.

سيقولون:

أطلب منا ما يطلبه المستمعون «.

وإذا كان التداعي قد أكسب القصيدة التسلسل فإنه قد أوقعها في مشكلة اللهجة

العادية في الحوار وكأن الشاعر يتحدث إلى الرئيس البوسنوي مشافهة في زيارة

شخصية:

» أعْلِنْهَا حرباً من أجل اللهْ

صدقني.. لن تخسر شيئاً يذكرْ

فسياستهم لن تتغيرْ «.

ومع ذلك ففي القصيدة إضاءات فنية تستحق الإشادة، فتحية للشاعر الدكتور

محمد بن ظافر الشهري.

أما مقال الأخت: نورة السعد بعنوان» الإفك الثقافي والأدبي «، فقد كان

بمثابة الصرخة التي تطلقها فتاة مسلمة تريد أن ترقى بذوقها الأدبي وأن يتاح لها

الاطلاع على نماذج الأدب الإسلامي التي حالت دونها وسائل النشر المختلفة

المنشغلة بنشر نماذج الآداب العالمية غثها وسمينها، والتي تأبى أن تفتح نوافذها

للأدب الإسلامي.. وهذه الصرخة جديرة بأن تهز بعض القلوب الغافلة، وأن تنبه

إلى الخطر الكبير المحدق بأذواق الأجيال المسلمة وثقافتها، والأخت الكاتبة تشير

إلى قضية» المصادرة «التي تقوم بها أكثر وسائل النشر في العالم للأدب الإسلامي

ونماذجه وأسماء مبدعيه: عشرات الصحف كتبت عن الشاعر الشيوعي التركي

» ناظم حكمت «، ولكنها تجاهلت بشكل مفزع الشاعر الإسلامي المبدع» محمد

عاكف «، لماذا هذا التجاهل؟ !

سؤال كبير تثيره الأخت نورة في مقالها، فهل من مجيب؟ !

ولقد كانت نظرة الكاتبة إلى» جمالية النص الأدبي، ونفعيته وغائيته «

نظرة موضوعية هادئة، ولعل ما كتبته في هذا الجانب يُعد بمثابة التصحيح لبعض

ما ورد في المقال السابق الذي ناقشناه في بداية هذه الدراسة.

هنا أقف، وأكرر اعتذاري إلى الأخوة في» البيان «، وإلى الأخوة القراء

لأنني لم أتمكن من تناول النصوص الأدبية المنشورة في الأعداد الأخرى (68-

69 -70) ، وذلك بسبب ضيق المساحة وطول الموضوع.

والله المستعان أولاً وأخيراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015