المسلمون والعالم
نظرة عابرة على
واقع المسلمين في الهند
(2)
أحمد بن عبد العزيز أبو عامر
التعدي على قانون الأحوال الشخصية الإسلامي:
للمسلمين في الهند قوانين خاصة بأحوالهم الشخصية، منبثقة من تعاليم دينهم، والتي تشمل مسائل الزواج والنفقة والطلاق والإرث.. إلخ، يرعى تطبيقها
مصلحة خاصة يرأسها حالياً (الشيخ أبوالحسن الندوي) ، ومع أنه كانت ترتفع
أصوات علمانية من المسلمين تدعو لدمج ذلك القانون مع القانون العام للأحوال
الشخصية للدولة، إلا أن الحكومة ترفض ذلك ما لم يطالب به المسلمون أنفسهم.
وفي عام 1978 أصدرت المحكمة العليا المركزية حكماً لصالح إحدى
المسلمات بمنحها النفقة من زوجها المطلق لها إلى أن تموت أو تتزوج غيره طبقاً
للمادة (125) من القانون الهندي الذي لا يفرق بين المطلقة والزوجة في النفقة بل
واقترحت المحكمة تعديل (قانون الأحوال الشخصية الإسلامي) ليكون متساوياً مع
القانون الحكومي. يقول الشيخ أبو الحسن الندوي: إن بقاء قانون الأحوال
الشخصية الإسلامي هو الضمان الوحيد لتمسك المسلمين بصبغتهم الدينية، وسيؤدي
انتهاكه إلى فقدان المسلمين لشخصيتهم شيئاً فشيئاً ومن ثم ضياعهم كما ضاع غيرهم
في بلدان أخرى.
ومما يؤسف له أنه حينما تحرج المسلمون من التحاكم للقوانين الأجنبية
واستفتوا الأزهر عن مدى صحة التحاكم لتلك القوانين.؟ جاءتهم الفتوى، بإمكانية
التحاكم إليها، والعمل بها وإن خلاف ذلك يضيع على المسلمين مصالحهم.
فأخذوا بتلك الفتوى ولا شك أن في ذلك نظراً؛ لأن التحاكم إلى تلك المحاكم
الأجنبية تحاكم إلى غير ما أنزل الله.
ولبيان مناقشة الموضوع باستفاضة يرجع لكتاب (أثر الفكر الغربي في
انحراف المجتمع المسلم بشبه القارة الهندية) د/ خادم حسين إلهي بخش، حيث
ناقش هذه الدعوى بموضوعية ووضع النقاط على الحروف.
الفرق المنتسبة للإسلام بالهند:
يوجد الكثير من تلك الفرق في الهند ومن أشهرها الشيعة الجعفرية والبهرة
الإسماعيلية والقاديانية والبريلوية والقرآنيون والصوفية ولهم مدارسهم ومنطلقاتهم
الفكرية والعقدية التي تخالف أهل السنة مخالفةً جذرية، ولتلك الفرق مواقف غير
حميدة من أهل السنة ولا يتسع المقام للتطرق لتلك الفرق والتعريف بها وبيان
منطلقاتها الفكرية.
وأحيل راغب الزيادة لمعرفة ذلك لبحث الدكتور (خادم حسين إلهي بخش)
آنف الذكر حيث تناولهم بدراسة موضوعية على ضوء واقعهم الفعلي واستناداً إلى
مصادرهم المعتبرة بعيداً عن الغلو والإجحاف ... وللعلم فإن تلك الفرق طارئة على
واقع المسلمين هناك؛ إذ وفدت عليهم في فترات الضعف التاريخي وبخاصة بعد
العصر المغولي وأثناءه؛ لأن الإسلام كما هو معروف دخل الهند في عهد الخلافة
الراشدة، وفتحت السند في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك عام 93 هـ
على يد القائد المسلم (محمد بن القاسم الثقفي) وكان المسلمون هناك إلى أواخر القرن
الرابع الهجري عاملين بالكتاب والسنة على منهج أهل الحديث، بعيدين عن الجمود
الفقهي والانحرافات العقدية حكى ذلك (أبو القاسم المقدسي) في كتابه (أحسن
التقاسيم) عند زيارته للسند عام 375هـ.
مشكلات المسلمين في الهند:
عرفنا جهود المسلمين الكبيرة في الحفاظ على شخصيتهم الإسلامية وهم
يعانون المشاق من جراء الأخطار المحدقة بهم، ومن أشهر مشكلاتهم مايلي:
1 - مشكلة الدعوة إلى الله:
وهي من أخطر المشكلات التي يجب أن تعطى الأهمية؛ لدورها في توعية
المسلمين هناك، وبخاصة العامة منهم وضرورة تقريب وجهات نظر العلماء العدول
منهم؛ ليكونوا يداً واحدًة على من سواهم، ثم تأتي أهمية الدعوة لغير المسلمين
فيمن حولهم، وبذل الجهود الممكنة في ذلك؛ لأن الإسلام هو الدين الوحيد القادر
على حل مشكلات تلك الشعوب الوثنية المضطهدة والمنبوذة لما في الإسلام من
تعاليم ربانية وقيم أخلاقية هي العلاج الوحيد لواقعهم، مما يعيد لهم كرامتهم المهانة
وإنسانيتهم، المهدرة وإنقاذهم من جبروت الظلم والطغيان.
2 - مشكلة تعليم المسلمين:
ودستور الدولة الهندية علماني يتيح المجال لكل دين ويسمح بحرية الاعتقاد إلا
أن كثيراً من الولايات الشمالية وضعت مناهجها التعليمية حسب ديانة الهندوس
المضادة لدين الإسلام، التي تصور البلاد بأنها وثنية، وقام مؤخراً حزب (بهارتا
جاناتا) في أربع ولايات يحكمها بعد التنسيق مع الأحزاب العلمانية بتنفيذ سياسة
تعليمية معادية للمسلمين تحت اسم (إصلاحات في المقرارات المدرسية) ومنها:
غرس الحقد في نفوس الناشئة والعداوة للمسلمين واتهامهم بأنهم هدموا معابدهم
وأقاموا عليها مساجدهم.
ادخال نشيد وطني يحتوي على عقيدتهم الوثنية وكان قد حذف في عهد (انديرا
غاندي) لطائفيته.
فرض اللغة (السنسكريتية) لأنها لغة دينهم وفرض تعلمها على الجميع.
الإشادة بزعماء الهندوس المتطرفين واعتبارهم زعماء وطنيين.
وقد قام المسلمون ونفر من العلمانيين بالاحتجاج على تلك التعديلات الجائرة
لما تحمله من عنصرية وتطرف، وقد باشر المسلمون بإنشاء مدارس خاصة بهم
خوفاً من تأثير تلك المدارس ومناهجها الوثنية على ناشئتهم، ولابد من وقفة جادة
حيال تلك الهجمة الوثنية لإيقافها وضرورة احترام الحكومة الهندية للمسلمين
وعقيدتهم، ولن يتأتى ذلك إلا بالضغط على الحكومة الهندية من المسلمين بعامة.
3 - المشكلة اللغوية:
كانت الأردية هي لغة المسلمين في الهند، وبعد الاستعمار الإنجليزي صارت
هي اللغة الثانية في المصالح الحكومية.. لكن الإنجليز فيما بعد شجعوا اللغة
(الهندية) وأحدثوا تنافساً بين الهندية والأردية، لزرع بذور العداء بين الجانبين،
وبعد الاستقلال عام 1947 قرر الدستور الهندي أن اللغة الهندية هي اللغة الرسمية، ثم قامت الولايات الشمالية بإلغاء (الأردية) من المدارس مع انتشارها في تلك
المناطق وقررت اللغة (الهندية) لغة إجبارية وأداة وحيدة للتعليم وحينما طالب
المسلمون بتعليم (الأردية) ؛ لأنها لغتهم المعتبرة، ولغة ثقافتهم، ولكونها ذات
حروف عربية رفض ذلك حتى في عهد الرئيس المسلم الأسبق (د: ذاكر حسين)
ومع أن الدستور الهندي يكفل لرئيس الجمهورية إصدار أمر بالاعتراف بلغة يتكلم
بها عدد وجيه من أهل البلاد، إلا أن ذلك لم ينفذ ويظهر أنها سياسة عليا لمحاربة
المسلمين ولغتهم المعتبرة، ومع عناية المسلمين بالعربية إلا أنها تحتاج لعناية أكثر
واهتمام أكبر ولا سيما في أوساط العامة لأنها لغة دينهم ومنطلق عقيدتهم.
4- المشكلة الاقتصادية:
يعاني جل المسلمين من الفقر والفاقة؛ مما يؤدي بهم إلى سوء التغذية
والحرمان من التعليم، وفرص العمل التي تكفل لهم الحياة الكريمة وبخاصة وأنه بدأ
تناقص أعداد المسلمين في العمل الحكومي، لا سيما في الوظائف العليا والهامة
والتي تكاد أن تكون حكراً على غيرهم مع ما يمتاز به الكثير منهم من العلم والنبوغ، وحل هذه المشكلة لا يكون طفرة، وإنما يحتاج لدراسات علمية طويلة المدى
وقصيرة المدى، وليس هذا مجالها، وقد تطرق لها الأستاذ (أبو ذر كمال الدين) في
بحثه عن (طبيعة وحجم المشكلات الاقتصادية للمسلمين في الهند) وكيفية حلها،
لكنه ذكر أنه يتعين على المسلمين هناك أن يغيروا من أساليبهم في الفكر والعمل
وساق بعض الاقتراحات في هذا الصدد ومنها:
1- أهمية فتح فصول دراسية مزودة بكل التجهيزات في كل المدن الكبرى
لإعداد شبابها وطلابها للعمل في الخدمات في الناحيتين الإدارية والإشرافية.
2- إنشاء عدد كاف من المدارس والكليات وضرورة استصدار الموافقة
الحكومية عليها لدعمها.
3- ضرورة تشكيل هيئة من رجال الاقتصاد ورجال الأعمال والإختصاصيين
المسلمين؛ للإشراف على وضع خطة للنهوض بالصناعات التقليدية، التي يمارسها
المسلمون فيما يتعلق بمسائل التمويل والتسويق وخلافه.
4- أهمية إقامة حركة تعاونية ومشروعات مشتركة على غرار شركات
(المقاصة) وعلى أساس المشاركة في الربح.
5- يتعين على المسلمين الذين يعملون في البلدان الإسلامية، ويحصلون على
رواتب كبيرة، أن يؤسسوا صندوقاً خاصاً بهم لتقديم الدعم المالي لإخوانهم المسلمين
المواطنين في مجالات التعليم والصناعة والخدمات الاجتماعية.
6- ترشيد نظام الزكاة وإنفاقها بطريقة منظمة مما سيساهم في حل كثير من
مشكلات المسلمين الفقراء التي يعانون منها.
7- ضرورة أن يسود شعور الجماعة في المجال الاقتصادي وعلى الموسرين
أن يضعوا حداً لاستهلاكهم وتبذيرهم لضمان تحسن الأوضاع الاقتصادية لإخوانهم
في الدين والعقيدة.
هذا بعض مايلزم القيام به، مع الوقوف في وجه ممارسات الأحزاب الوثنية
من حروب عقدية وتخطيط لإقامة دولة هندوكية، وهي تقوم في سبيل تحقيق هذا
الهدف بمذابح همجية بقصد إفناء المسلمين، أو فتنتهم في دينهم (فإنا لله وإنا إليه
راجعون) ، ويلزم أن يطالب المسلمون بعامة (حكومة الهند) بإعطاء المسلمين فيها
حقوقهم المفروضة بنص دستورهم، والحفاظ على معالمهم الإسلامية وكف أي أذى
تقوم به الأحزاب الوثنية المتطرفة، وحينما يهدّدُونَ بمصالحهم مع الأمة الإسلامية
سيقومون بما يلزم حيال تنفيذ تلك الحقوق وإن تساهلنا حيال حماية إخواننا
والانتصار لهم ستزيد معاناتهم وربما يكونون لا قدر الله أثراً بعد عين كما خسرنا
الكثير من البلدان الإسلامية والواقع شاهد أن الأمم المتحضرة في هذا العصر
تنتصر لبني جنسها، ولبني عقيدتها، وتعمل كل ما يمكن لحمايتهم ونصرتهم ولم
يأتهم جزء من ألف جزء مما أصيب به المسلمون في الهند.
إن دول هذا العصر لا تحترم إلا القوة ولن يؤبه لأيٍ كان ما دام لم يعضد حقه
بالقوة بكل أبعادها، وحينما ترى حكومة الهند الاهتمام الجاد من الدول الإسلامية
وتهديدها بمصالحها فستكف آذاها وستقوم بحماية المسلمين بها وإعطائهم حقوقهم
التي كفلها الدستور.
ولتتعلم الدول الإسلامية وتنظر كيف انتصرت روسيا ودول الغرب للصرب
المعتدين وكيف وقفت روسيا في وجه القرارات الدولية انتصاراً للصرب لأنهم على
نفس مذهبهم العقائدي، وهم على باطل بينما نحن المسلمين على حق وندافع عن
حق ومع ذلك لا نعمل ما يحتمه علينا ديننا للانتصار لإخواننا في العقيدة وكل النظم
والشرائع تؤيدنا فيا لله للإسلام ويا لله للمسلمين.
والله أسأل أن يأخذ بأيدي اخواننا المسلمين في الهند إلى مافيه قوتهم ونصرهم
وعزتهم وما ذلك على الله بعزيز.
من مراجع المقالة:
(1) المسلمون في الهند لأبي الحسن الندوي.
(2) أثر الفكر الغربي في انحرافات المجتمع المسلم بالقارة الهندية د/ خادم
حسين بخش.
(3) تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند لمسعود الندوي.
(4) الصراع بين الفكرة الإسلامية والغربية/ لأبي الحسن الندوي.
(5) نظرة إجمالية في تاريخ الدعوة الإسلامية بالهند وباكستان: لمسعود
الندوي
(6) مجلة البعث الإسلامي عدد شوال 1395 هـ.
(7) دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها في الحركات الإسلامية المعاصرة
لصلاح الدين مقبول أحمد.
(8) دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب بين مؤيديها ومعارضيها في القارة
الهندية لأبي المكرم السلفي.
(9) شيخ الإسلام ابن تيمية في علومه ومعارفه ودعوته في القارة الهندية لعبد
الرحمن الفريوائي.
(10) الأقليات المسلمة ظروفها آلامها وآمالها، من مطبوعات الندوة العالمية
للشباب الإسلامي.