مجله البيان (صفحة 1575)

من نبأ السلام فى الصحافة العربية

ملف السلام العربي /الإسرائيلي

من نبأ «السلام» في الصحافة العربية

- التحرير -

لا يبالغ أولئك الذين يؤكدون أن انكساراً حاداً في التاريخ السياسي العربي

المعاصر بدأ يُحدث فعله، من خلال ما يجري هذه الأيام. إننا أمام رحلة تيه أخرى، تُكرس فصولها، وتُرسم باسم واقعية مزعومة، تجعل من الاسترخاء فوق فراش

الهزيمة شجاعة لا تُدانيها شجاعات الزمن (الثوري) السابق! وتدفع بمن يبيعون كل

شيء -حتى آخر القطرات من ماء وجوههم- رموزاً للتعقل والاعتدال، تعرف -

وحدها- من أين تؤكل الكتف.

إننا نرى فصول الهزيمة الجديدة بكل حدتها، غير أننا ندرك مع ذلك أن

إفرازاتها القادمة ربما تجاوزت ظلام الهزائم العربية السابقة، وكانت أشد قتامة من

كل ما مضى في زمن المد الثوري البائد. وما اتفاق (غزة وأريحا أولاً) إلا الحجر

الذي كسر الباب، لتدخل من بعده عواصف الهيمنة الإسرائيلية فيتبع بعضها بعضاً. وقد حرصنا هنا أن ننقل للقارئ بعضاً مما كتب عن هذا الاتفاق في الصحافة

العربية، بعد أن قدمنا موقفنا منه - إجمالاً-، ورؤيتنا تجاهه في موضع آخر،

وسنكتفي هنا بذكر النص المنقول كما هو دون تعليق وفي الإشارة ما يغني من

العبارة.

-البيان-

بين قيادتين:

في الحالة الفلسطينية، القيادات المعنية، تعيش حالة تتجاوز ظاهرة اليأس. إنها تفتقد الرؤية التاريخية وتستسهل التعامل مع القضايا المصيرية، وتعتبر الدور (دورها) ، أهم من الحفاظ على القضية والهدف. إنها تقبل التوقيع على صيغة غامضة مجحفة، وتترك كل ما يتعلق بالمستقبل غامضاً عائماً، معلقاً برقبة جملة مُطلقة، لا معنى لها، يسمونها (الحل النهائي) إنهم لا يريدون منا التوقيع على

تسوية سياسية فقط؛ بل يريدون أن نغير عقلنا وفكرنا وتراثنا الثقافي وسيحصل. ... لماذا لا نسمع لحظة لصوت الخصم وهو يشرح الاتفاق في الكنيست؟

أليس هو شريكنا في الاتفاق؟ ليس هو شريكنا في المصالحة التاريخية، كما تقول

مقدمة الاتفاق؟ . استمعوا إليه جيداً: (ما هو الشيء الذي أصررنا عليه؟) يسأل

رابين ويجيب قائلاً:

(أولاً: هذا اتفاق ثنائي بيننا وبين الفلسطينيين، وليس مشروطاً بما قد

ننجزه مع لبنان أو سورية أو الأردن.

ثانياً: أصررنا على أن الاتفاق لا يشمل القدس، لا في إطار التسوية الجزئية، ولا في إطار التسوية الشاملة. القدس لن تكون مشمولة في أي مجال من

صلاحيات المجلس أو الهيئة التي ستدير شؤون الفلسطينيين في المناطق المحتلة.

القدس باقية تحت السيادة الإسرائيلية وكعاصمة لإسرائيل) . وقال إسحق رابين -

خصمنا وشريكنا في الاتفاق -: «لهذا الاتفاق تقسيم: الجزء الأول للتنفيذ هو

قطاع غزة، حيث المستوطنات ستبقى، والجيش الإسرائيلي سيبقى للدفاع عن

المستوطنات. أما أريحا فبشرط أن تكون المقر للهيئة التي ستدير بداية الحكم الذاتي. هذا هو الشرط لأريحا، الأفضل أن يكون المقر هناك في أريحا من أن يكون في

مكان قريب من القدس، يجب إبعاد المقر عن القدس. لقد وعدنا بأننا نذهب إلى

تسوية جزئية مع الفلسطينيين: دون المساس بالاستيطان اليهودي، دون المساس

بالأمن، دون الالتزام بصورة أو بشكل الاتفاق النهائي..

من مقال لبلال حسن - الشرق الأوسط 13/9/93م

إسرائيل الكبرى باتساع النفوذ:

» تعالوا نراجع كل التصريحات لرابين وبيريز، وكل من يتحدث في إسرائيل عن السلام، ليتضح التمسك بأن السلام معناه: إقامة كل العلاقات بين الدول العربية لإسرائيل. هذا الإصرار الذي يضغط في كل تصريح إسرائيلي على إقامة علاقات كاملة هو الدافع الحقيقي، الذي دفع رابين وحكومته وحزبه إلى عرض اتفاق غزة وأريحا. حلم رابين هو أن تستغل إسرائيل كل مجالات الخبرة والتفوق في تسريب نفوذها تحت ستار (تقديم المساعدات للدول العربية، وتقديم الخبرة) بحيث تصل في يوم من الأيام إلى السيطرة الفنية والتجارية والزراعية والصناعية في الدول العربية، وهكذا تقوم. (إسرائيل الكبرى) لا باتساع الأرض، بل باتساع النفوذ، والسيطرة على الاقتصاد والثقافة، وعلى كل حال فإن حلم إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات عن طريق ضم كل هذه المساحات الشاسعة من الأرض، يقتضي توفر أعداد ضخمة جداً من اليهود ليقيموا في هذه الأرض، أما السيطرة الاقتصادية فلا تحتاج لهذا العدد، بالإضافة إلى أن ضم كل هذه الأرض يقتضي خوض إسرائيل حروباً بالغة الخطورة في زمن يكره العالم فيه قيام الحروب، بينما السيطرة الاقتصادية تتم بنعومة ولا تستشير النفوس كالحروب، فهي تسرب تحت ستار فضفاض كادعاء تبادل الخبرات، والتعاون من أجل الشعوب «.

أحمد أبو الفتح: الشرق الأوسط 3/4/1414هـ

محور إسرائيلي/فلسطيني:

» مرحلة جديدة فعلاً في تاريخ الشرق الأوسط تبدأ مع توقيع الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني في واشنطن ما هو الجديد فيها؟ قيام محور (فلسطيني/إسرائيلي) ، مدعو إلى صياغة تعايش (عربي/إسرائيلي) أولي

يشمل مختلف شؤون الحياة اليومية والاقتصادية العامة والسياسية، وعبارة (محور) في هذا المجال غير دقيقة لأن قوة أحد القطبين -أي القطب الإسرائيلي - تتجاوز

وزن القطب الآخر، وهي في أقصى الضعف. إن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات

اختار لفلسطيني الأرض المحتلة ارتباطاً استراتيجياً نهائياً بإسرائيل والعالم الغربي.

وهذا الواقع لن يتبدل في جوهره، مهما كانت صورة النظام الجديد، الذي قد ترسو

عليه التوازنات المقبلة في المنطقة، مهما حصل وانطلاقاً من أرض الواقع ذاته

ومن نصوص هذا الاتفاق - وهي استراتيجية مع أن الاتفاق مؤقت (وهذه إحدى

المفارقات) - سيظل المحور الإسرائيلي / الفلسطيني جسماً مرتبطاً بما يدعى

الشمال، ومنفصلاً استراتيجياً عن المنطقة الجنوبية. الخلاصة: أن الصراع

العربي/ الإسرائيلي مسألة انتهت وفق منطق هذا الاتفاق الإسرائيلي / الفلسطيني،

وهذا ما يؤكده محمود عباس (أبو مازن) أحد مهندسي هذا الاتفاق، وليس الأمر

بحاجة إلى تأكيد، في أي حال. وبديل الصراع العربي/الإسرائيلي مرحلة تعامل

جديد - على ما يبدو بين المحور الإسرائيلي/الفلسطيني الجديد، والأطراف العربية

الأخرى. وهنا اختلال آخر. المحور الجديد موحد ومدعوم من القوى العظمى في

حين أن الأطراف العربية الأخرى، هي أطراف لا تنسيق جدياً بينها، مع العلم أن

بعض هذه الأطراف - أي مصر- اختار الارتباط مبكراً بما يدعى الشمال وهذا هو

بالفعل المعنى الاستراتيجي الأساسي لاتفاق (كامب ديفيد) ، كما أراده

السادات.

ليس هناك أحد يدافع عن نص هذا الاتفاق بجرأة وصراحة، حتى أبرز

مهندسيه وعبارة (أولاً) في تعبير (غزة - أريحا أولاً) تتضمن اعترافاً بأن قيمة

هذا الاتفاق الأول المفترضة ليست فيه، بل بما قد يعقبه. هل تكون هذه الـ (أولاً) نواة كيان فلسطيني؟ أم أنها مرحلة أولى من حكم ذاتي فصل وفق الرغبات

الإسرائيلية وقد لا يتحقق حتى على بعض أجزاء من الضفة الغربية؟ . الوقائع

المادية المختلفة- بما فيها السياسية - ترجح أن ما يعقب (أولاً) سيكون أيضاً وفق

الرغبات الإسرائيلية. فليس لإسرائيل ما تخشاه حالياً إذا لم تقم وزناً لرغبات

الجانب العربي، أى لرغبات العرب عموماً، بمن فيهم أولئك الذين باتوا وفق نص

الاتفاق الأخير في العالم الاستراتيجي الثقافي الشمالي عبر القطب الآخر الذي هو

إسرائيل. أما إذا كان ما يدعى (التحول الإسرائيلي) الذي يتحدثون عنه قائماً فإن

مرحلة هدوء وسلام قد تبدأ. وإذا حصل المرجح -وفق المعادلة الراهنة وأبرز

عناصرها نصوص الاتفاق ذاته - فإن الفوضى هي ما ينتظرنا جميعاً في المنطقة،

لا السلام الذي يتحدث عنه أبو مازن بابتهاج تام في القاهرة. بعض هذه الفوضى

ينجم حكماً عن مصير ثلاثة ملايين فلسطيني، لن يفسح لهم المحور الإسرائيلي /

الفلسطيني الجديد مكاناً، وبعضها الأخر سينجم عن سؤال قد يطرح ولو تجاوزاً:

إذا تبين أن السلام المقبل إسرائيلي وحسب، على حساب حقوق العرب ولو بحدها

الأدنى، فما الذي يحول دون توليده لحروب عديدة بين القوى الرافضة حالياً

ومعظمها إسلامي وأكثر من حكومة في المنطقة؟ ! وفي أي حال لن يكون مستغرباً

طرح بعض الإسلاميين سؤالاً على بعض الحكومات وهو (لماذا تتقبلون إسرائيل

وتضيق صدركم بنا؟) خصوصاً إذا كان هؤلاء الإسلاميون من غير دعاة العنف

وممارسيه «.

الأسبوع العربي 13/9/93م

سياسة الإخفاء:

» لا توجد صفقة سرية بين شريك قوي للغاية، وآخر ضعيف للغاية،

إلا وتنطوي بالضرورة على تنازلات، يحرص الأخير - من فرط الارتباك - على إخفائها. إذ أنه لا تزال هناك تفاصيل كثيرة، مما يتعين التفاوض بشأنه، وهناك بالمثل أشياء عدة غير قابلة للوزن بدقة، بتعين إيضاحها، بل ثمة آمال إما أن تتحقق أو يتم القضاء عليها. وعلى رغم كل شيء فإن الصفقة التي بين يدينا تنبئ عن تعب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وعزلتها، وعن دهاء إسرائيل، فكثير من الفلسطينيين يسألون أنفسهم: لماذا يتعين علينا بعد سنوات من التنازلات أن نتنازل مرة أخرى لصالح إسرائيل والولايات المتحدة، في مقابل وعود وتحسينات غامضة في ظروف الاحتلال، لن تحدث حتى إجراء محادثات الوضع النهائي بعد فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، بل ربما لا تحدث حتى ذلك الوقت؟ ! ولم نر حتى إقراراً واضحاً من جانب إسرائيل (التي لم تعترف بعد بأنها سلطة احتلال) بإنهاء الاحتلال، الذي تواكبه سلسلة من القوانين والأنظمة الجزائية

المعقدة، ولم يرد شيء عن الـ 13 ألف معتقل سياسي فلسطيني، الباقين في

السجون الإسرائيلية «.

إدوارد سعيد: الحياة 1/9/93م

رحلة في المجهول:

» لا يريد أحد أن يطرح السؤال الصعب: ما هي آثار الاتفاق على الشرق الأوسط؟ ؛ لأن سؤالاً كهذا يوقظ الجميع من سطوة الحلم، أو يفضح تفاهة الغنيمة. أخطر ما في الاتفاق الفلسطيني / الإسرائيلي أنه يرهن مستقبل المنطقة بأكملها بمستقبل كانتون صغير اسمه (أريحا - غزة) ويعطيه وظيفة الكلية الاصطناعية، التي يعاد فيها غسل كل مدخلات المنطقة ومخرجاتها.

إن الاتفاق الفلسطيني / الإسرائيلي مبني على أساس إنجاح جزء مرحلي، هو في حد ذاته جزء من مرحله انتقالية، هي في حد ذاتها تفتقد الوضوح في النهايات والأهداف! بمعنى أنها (رحلة في المجهول) المهم أن ليس هناك

ضمانات أبداً للانتقال من الحل الجزئي إلى الحل الانتقالي الشامل، أى من كانتون أريحا- غزة إلى كانتون الضفة الغربية، وبعد ذلك الدولة المستقلة كما يطمح الفلسطينيون. ثم كيف سيكون رد فعل الفلسطيني على (قمع) السلطة الفلسطينية له علماً بأن الوظيفة الموضوعية الوحيدة المرشحة لها سلطة الكانتون هي القمع (؟!) بمعنى: حماية إسرائيل من إمكانية الاعتداء الفلسطيني عليها، وعلى مستوطنيها، وإذا فشل رجال الشرطة الفلسطينية في الأمر، فسيعود الاحتلال، الذي انسحبت قواته إلى مسافة كيلو متر (!) خارج أريحا أو خارج قطاع غزة. إن إسرائيل ومعها أمريكا ودول أوروبا تريد تسويق حل كانتون (غزة - أريحا) كحل يبرر الانفتاح الاقتصادي الشرق أوسطى وقبل ذلك يبرر البحث عن مصادر تمويل. وبالفعل بدأت عطية استحلاب المعونات من الدول الصناعية، ومن الدول العربية الغنية، وكان حل كانتون غزة. أريحا هو الحل الشامل، وبذريعة إنجاح التجربة الفلسطينية دون وجود مخطط حقيقي وواضح لما يعنيه مشروع مارشال، سوى أنه فرصة أخرى لإيجاد مصادر تمويل، لبناء اقتصاد إسرائيل لمرحلة جديدة من

وجودها في المنطقة، وبدور جديد.

ثانيًا: اتجاه الإسراع في تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، بلغ

في بعض الأحيان درجة الدعوة إلى إلغاء الجامعة العربية، وليس فقط رفع

المقاطعة العربية عن إسرائيل لقد فتحت اتفاقية كامب ديفيد المنطقة على بحر

العواصف، لكنها لم تكن كافية للعصف بالمنطقة، فهل يكون كامب أريحا مركز

العاصفة الثانية؟ . حقائق الاقتصاد السياسي للحل المطروح لا تتجاوز إعادة ترتيب

ديمغرافية تخدم أهداف التنمية الاقتصادية الإسرائيلية في مرحلة انقلابها لعصر

جديد، عصر قيادة النظام الشرق الأوسطي. إن ما يفسر هذا هو طبيعة الحل

المرحلي المقترح والمطروح في غزة وأريحا أولاً. وليس صدفة أن يتم اختيار

المنطقتين حين تتم دراسة التوزيع الجغرافي للمناطق الصناعية في إسرائيل.

بالنسبة لمنطقة غزة وما تشكله من مخزون عمالي كثيف، وبمستوى معيشي متدن

أنشأت إسرائيل في العامين الماضيين أكبر منطقة صناعية تقع على الشرق من

قطاع غزة وتتصل بالمعابر الثلاثة، التي تصل القطاع بإسرائيل. سيكون هم

المشروع المعروف بمشروع مارشال في ما يخص الجانب الفلسطيني هو إعطاء

قطاع غزة كل الاحتياجات التي يتطلبها الحفاظ على هذا القطاع، كممول للأيدي

العاملة الرخيصة، وداخل نظام أمني يضبطه الفلسطيني قبل الإسرائيلي. وحين

يطالب شمعون بيريز بتمويل لمشروع الحكم الذاتي، لا ينسى أن للمشروع وجهاً

إسرائيلياً، هو إيجاد عمالة للعمل الفلسطينى، حيث أن قطاع غزة لا يكفي سكانه،

وهنا يتلخص المشروع بتحسين شروط الإسكان والمجاري في غزة، وتعمير بنايات

عالية في مخيمات اللاجئين، بدل غرف الصفيح بأرضيتها الرملية، وتغطية قوات

الإسالة، وتجفيف المستنقعات. لقد جربت إسرائيل ذلك خلال ما سمي بفترة

الحصار، وقبلها جربت استعمال البطاقات الممغنطة لضبط دخول عمال غزة إلى

إسرائيل، وخرجت بنتائج مشجعة. فهل يمنع ذلك من تطوير معاهد تعليمية

لتطوير مهارات الأيدي العاملة الفلسطينية، بما يتناسب وحاجة المصانع الإسرائيلية

في المنطقة الصناعية؟ . على الطريق من أريحا، وإلى القدس أقامت إسرائيل

منطقة صناعية جديدة في المكان الذي يعرف باسم (الخان الأحمر) ، أو بالعبرية

الفصحى (معاليه أدوميم) وفي غربه أقيمت مدينة استيطانية كبيرة تحمل الاسم

نفسه، وتشكل الحد الشرقي للقدس الكبرى. هذه المنطقة الصناعية بحاجة إلى

تمويل من مشروع مارشال، الأأأأذي يرعاه شمعون بيريز باتجاهين: تمويل

المنطقة الصناعية وحاجاتها، وتمويل إسكان الأيدي العاملة الفلسطينية في أريحا.

وهنا تصبح عودة اللاجئين ضرورية، بل وتلبي حاجة سياسية، وليس إلى مخيمات هذه المرة بل إلى مساكن عصرية. الأمن مضمون، منطقة مغلقة في الأغوار اسمها (أريحا) يحتشد فيها بفضل السلام، وبفضل اتفاق أريحا وغزة أولاً أكثر من 100 ألف لاجىء (عائد) ينطلقون صباحاً إلى الغرب لمسافة 10 كيلو مترات حيث (معاليه أدوميم) الصناعية، ويعودون في المساء إلى بيوتهم، أما إلى الغرب من ذلك - القدس - فممنوع «.

الحوادث 17/9/93م

هزيمة ثالثة للعرب:

» إن الاتفاق الإسرائيلي الأخير مع منظمة التحرير الفلسطينية بشأن الاعتراف المتبادل، وإعطاء المنظمة قريتين فلسطينيتين يعتبر في المقاييس السياسية والاستراتيجية هزيمة ثالثة للعرب في تاريخهم المعاصر. لم يقتصر الأمر على ... قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإنما هذا الاندفاع نحو مباركة الأنظمة العربية ... للاتفاق، وتسابق بعضها للسير على غرار اتفاق الهزيمة. وفيما يلي سنحاول رسم صورة انعكاسات ذلك الاتفاق / الهزيمة على الواقع العربي في المرحلة القادمة:

أولاً: إن هذا الاتفاق سينتج صراعاً فلسطينياً / فلسطينياً بسبب الاختلافات

السياسية والأيديولوجية للقوى الفلسطينية، كما أن ذلك الاتفاق سيفرض على قيادة

منظمة التحرر الفلسطينية قمع الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي التي منحت لها،

وفي الأراضي المحتلة الأخرى، يضاف إلى ذلك ستكون مهمتها ضبط المناوئين

والمعارضين للاتفاق.

ثانياً: إن غزة تقع على الحدود المصرية - الإسرائيلية وإن أريحا تقع على

الحدود الإسرائيلية الأردنية، وإن طبيعة المناطق الحدودية هي مجال صراع

حدودي دائم، ذلك يعني انتقال الصراع من حدود إسرائيل وداخلها وتحوله إلى

صراع حدود مصرى/فلسطيني من جهة، وأردني / فلسطيني من جهة أخرى.

ثالثاً: انتهاء المطالبة بتحرير فلسطين للأبد، وأن المسألة لا تعدو كونها

مسألة أراض عربية محتلة عام 1967.

رابعاً: تطبيع العلاقات العربية - الإسرائيلية ويترتب على ذلك رفع المقاطعة

لإسرائيل، وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مع الدول العربية، تكون السيطرة فيها

للطرف القوي والمدعوم من قبل الغرب، وهو الطرف الإسرائيلي بدون أدنى شك.

خامساً: إن مثل هذه الحالة بين العرب وإسرائيل تخدم المصالح الغربية في

المنطقة، وتستطيع إسرائيل في المستقبل الاستغناء عن المساعدات الأمريكية

وغيرها باعتمادها على نفسها وعلى جيرانها العرب.

سادساً: أحد عناصر سيناريو الاتفاق وانعكاساته المستقبلية هو المتغير

التاريخي الذي قد يقلب كل الموازين ويغير الأحوال، ويصعب على أحد أن يتنبأ به، فما يجري اليوم ليس نهاية القضية، وما يسمى بالسلام على حساب العرب ليس

أمراً حتمياً، فقد علمنا التاريخ بمتغيرات تحول مجرى الأحداث التاريخية سلباً أو

إيجاباً «.

القبس 23/9/93م

الاتفاق معلوم إسرائيلياً مجهول فلسطينياً:

المستوطنات موجودة والجيش سيبقى موجوداً على مشارف المدن، وكذلك مرجعية الأمن بما في ذلك مرجعية الأمن الفلسطيني، هذه نصوص موجودة في الاتفاق أما حل الإدارة المدنية، فهذا لا يعني شيئاً لأن هذه الإدارة أوجدها الليكود عام 1982 ليحسن من صورة الاحتلال وفشله. نحن لا نعتبر أن الاحتلال في ضوء بنود الاتفاق قد رحل، لكننا نعتبر أن الاحتلال قد تكرس ولكن بصور أخرى وبأشكال أخرى» . «هذا الاتفاق، من الناحية السياسية دفع بالقضية الفلسطينية إلى المجهول، وهو في اعتقادي مجهول فلسطينياً، ومعلوم إسرائيلياً، ذلك لأنه أبقى السيادة على الأرض بيد إسرائيل، وكذلك مرجعية الأمن الداخلي والخارجي أيضاً، وعلق كل القضايا الخلافية إلى أمد غير معلوم، وبذلك يكون هذا الاتفاق قد أعطى الولاية الجغرافية لإسرائيل، ومنحها القدس ومستقبل الأرض. أما من الناحية الاقتصادية - وللأسف الشديد - يريد الاتفاق تحويل الفلسطيني إلى منصة انطلاق للاقتصاد الإسرائيلي للمنطقة العربية، عبر الفيدرالية الفلسطينية/ الإسرائيلية لمخاطبة الوضع العربي، علماً بأن الفلسطينيين كانوا وما زالوا حريصين عبر نضالهم الطويل للاستقلال على محيطهم العربي، ولكن هذا الاتفاق حوّلهم إلى حربة موجهة إلى المحيط العربي..

باختصار جاء الاتفاق لإعادة تنظيم وترتيب الاحتلال، بشكل مريح

للإسرائيليين، وكذلك توظيف السلطة الفلسطينية في المهمات التي تؤمن للاحتلال

الاستقرار والأمن الاقتصادي» .

عبد الرحيم ملوح (عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة التحرير)

الوطن العربي 24/9/93م، الأسبوع العربي 20/9/93م

المنظمة في الموقع الجديد:

«اللعبة الحقيقية التي ستكون من نصيب منظمة التحرير هي اللعب على الصعيد المحلي المحدود مع سكان الضفة والقطاع فقط، وهو ما يتناسب مع حجم طموحات وأهداف ورغبات قيادة هذه المنظمة، وينسجم مع طموحات وأهداف ورغبات إسرائيل التي تلعب على نطاق حجم أكبر، هو نفسه حجم الوطن العربي. وتجد هذه اللعبة المحدودة أساسها الآن في الاهتمام بإقامة نقطة مراقبة عسكرية في أريحا وأخرى في غزة، تحتشد فيها شرطة منظمة التحرير للوفاء بتعهد السهر على راحة وأمن إسرائيل، وتجنيب الجندي والمستوطن الإسرائيلي آلام مواجهة الانتفاضة الفلسطينية، إذ سيكون قمع الانتفاضة الفصل الأول من هذه اللعبة المحدودة.

الفصل الثاني: سيكون خوض صراعات السيطرة على مختارية هذه القرية أو تلك، وبلدية هذه المدينة أو تلك. وستكون خلفية المشهد هي الصراع على أموال المساعدات والمشاريع، التي سيقدمها المجتمع الدولي، والحصول على حصص فيها، تتحول إلى البنوك السويسرية فوراً. مثل هذه اللعبة المحدودة ستكون هي لعبة اللاعب الذي ألقى أوراقه كلها على طاولة الكيال، وانسحب ليقامر بالملاليم في أزمة القرى والمدن الفلسطينية. ولن ينسى في كل مناسبة أو شجار (طوشة) في قرية من هذه القرى أن يصرخ في وجوه المنافسين إنه

(الممثل الشرعي الوحيد) للشعب الفلسطيني!

وإذا لم يصدقوا، فسيفتش في جيوبه، ويخرج الشهادة الإسرائيلية، ويضعها أمام أعين المشككين (؟ !) أما الفلسطينيون على الساحل (800) ألف سيحمدون الله ألف مرة أنهم بعيدون عن قبضة (الممثل الشرعي الوحيد) الذي ستكون متاعبه كثيرة: حماية المستعمرات الإسرائيلية وحماية نفسه وحماية نفسه من

نفسه» .

الوطن 22/ 9/ 93م

العدو المشترك:

«من بين العوامل الرئيسية التي دفعت بكل من إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية للتوصل إلى معاهدة السلام بينهما، عامل مثير حقاً للدهشة الشديدة. فلم يكن بوسع الطرفين التوصل إلى مثل هذا الاتفاق أبداً، لو لم يكونا مدفوعين له لمواجهة عدوهما المشترك، وهو (التطرف الإسلامي) . ويقول المحللون من كلا الجانبين: إن اتفاق السلام الذي تم توقيعه مؤخراً بين إسرائيل والمنظمة - وهو الاتفاق الذي ربما يجعل من العدوين السابقين حليفين - هذا الاتفاق جاء لأن كلاً من إسحق رابين وياسر عرفات بدأ يستشعر الخطر الداهم هذه المرة من المسلمين الراديكاليين، الذين يرفضون أية مهادنة مع اليهود. ويقول (داني روبنشتاين) المعلق الإسرائيلي في (الديلي ستار) الإسرائيلية: (إن خوف إسحق رابين من التطرف الإسلامي هو الذي دفعه لتغيير رأيه في منظمة التحرير، التي كان يصفها باستمرار بالإرهاب والرغبة في القضاء على إسرائيل) .. ويقول (زكريا القاق) المحلل السياسي الفلسطيني: هناك مصلحة مشتركة بين إسرائيل والمنظمة للوقوف في وجه التطرف الأصولي، الذي يرى عرفات وكل الزعماء

العرب أنه يشكل تهديداً لهم» .

(كريستيان ساينس مونيتور) .

نقلاً عن الوطن 27/ 9/ 93م

المصلحة أمريكية والتكاليف يدفعها العرب:

«تحدث خالد الحسن (عضو لجنة فتح المركزية ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني) في لقاء أجرته معه (الحوادث) عن الحياة الجديدة، التي تسعى السياسة الأمريكية إلى ضمانها لإسرائيل من خلال اتفاق السلام فقال: (السياسة الأمريكية الجديدة التي تحرك ما سماه بوش) النظام الدولي الجديد، في أداء شرطي العالم لا تستطيع لاستمرار في دعم الكيان الإسرائيلي بخسارة. فهذا - على مستوى المال - يكلف الخزينة الأمريكية نحو 15 مليار دولار. وأشار إلى تفاصيل هذه الفاتورة تقرير صادر عن أحد مراكز الأبحاث في واشنطن ونيويورك. ومن هنا كان ضرورياً إعطاء هدف جديد أو حياة جديدة لإسرائيل لتحقيق مصلحة أمريكية بمستوى التكاليف ووجدت واشنطن أن هذه المصلحة يمكن أن تتحقق بتكاليف يدفعها العرب، وهذا ظاهر في السعي إلى الإمساك بالمفاصل، وإدماج إسرائيل في الدورة الاقتصادية الإقليمية. وحين سألته الحوادث: (لماذا مقارعة المستحيل؟ الاتفاق قد يكون أفضل الممكن، ولعله خطوة تتبعها خطوات في مسار طويل وليس نهاية المطاف؟) أجاب قائلاً: أتمنى أن يكون الاتفاق خطوة تتلوها خطوات، لكن الملاحق قيدت الفلسطينيين في شكل يوصد أمامهم أبواب إنهاء الاحتلال، وتبعاً لمواد هذه الملاحق، وخصوصاً ما يتعلق منها بالأمن، فالسيطرة في يد إسرائيل.

إن الأمن الخارجي مثلاً في يدها. ما معنى ذلك؟ يقيني أن العرب لن يحاربوا إسرائيل، ولا أوروبا. الفدائي الفلسطيني هو الذي يحارب إسرائيل من الخارج، فضلاً عن الفدائي اللبناني. وهذا يعني أن لإسرائيل الحق في العودة بجيشها لحماية أمنها الخارجي ضد أي عمل وطني ونضالي، حتى ضمن غزة وأريحا. وهذا الحق تكرسه بنود في الملاحق، تقول: إن تل أبيب مسؤولة عن أمن المستوطنات والمستوطنين، ولها حرية استعمال الطرق في غزة وأريحا من أجل تحقيق أهدافها هذا لا يمكن أن يسمى انسحاباً، حتى في القانون الدولي، أو في المفهوم الأمريكي أو البريطاني، من حيث زوال الاحتلال. باقٍ حتى في حال شمول الحكم الذاتي كل الضفة الغربية وقطاع غزة» .

الحوادث 24/9/93م

أريحا تصبح معتقلاً:

«مشروع (غزة وأريحا أولاً) أنهى هذه الانتفاضة، وأرى أن اختيار أريحا بالذات هو هدف إسرائيلي، لكي تتحول أريحا إلى معتقل واسع، لكل من يتحرك في الضفة الغربية مقاوماً الاحتلال، على الطريقة التي كانت متبعة قبل إقرار هذا المشروع. يعني: غداً بدل أن تعتقل إسرائيل المناضلين من أبناء شعبنا، وتضعهم في سجونها، أو تطردهم إلى جنوب لبنان أو الأردن، الآن أصبح يوجد) شريط فلسطيني (سيتولى هو هذه المهمة باعتباره مرجعاً فلسطينياً، حكومته -إن جاز التعبير - أو قيادته متفقة مع إسرائيل على خط سياسي معين، أحد أهم أبعاده إبقاء الأمن بيد إسرائيل. إن الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات باتوا يشعرون بأنهم غير عائدين إلى فلسطين، وأن الخيارات المتبقية لهم إما التوطين حيث هم، أو التهجير إلى ما هو أكثر بعداً عن فلسطين، أي إلى استراليا وكندا وأمريكا، وغيرها من الدول، التي لاحظنا أنها بدأت تنتهج في المدة الأخيرة منهجاً جديداً في تخفيف شروط القبول بالهجرة إليها.

الصراع تحول من صراع فلسطيني/إسرائيلي إلى خلاف فلسطيني/فلسطيني.

فبدلاً - ويا للأسف - من إيجاد حل مشرف ومقبول لمشكلة شعبنا، نجد أنفسنا أننا

أوجدنا الحل لمشكلة إسرائيل وقضية الاحتلال. اليوم إسرائيل هي أمام الرأي

العالمي بلد متسامح أعطى وأعاد أرضاً وفرصة لحكم ذاتي، يفترض أن يتحول إلى

دولة مستقلة مستقبلاً، بينما هي في الواقع أوجدت السكة أو الطريق الموصل إلى

تفريغ الضفة الغربية، وإلى شطب قضية القدس، وإلى وأد الانتفاضة وإلى تحميل

الفلسطيني نفسه مسؤولية ما قد يترتب عليه مثل هذا الحل. أعود مرة أخرى لأقول

إننا كنا نبحث عن حل لمشكلة مستعصية، فإذا بنا نستخرج ونخترع مشاكل جديدة،

قد لا تكون أقل صعوبة من المشكلة الأساسية وقد تفرز عنفاً وعدم استقرار أكثر مما

شاهدناه في السنوات الأربعين الماضية. إن المنظمة لم تحقق سلاماً، بل استسلمت

لحل مفروض بالضغط، والقوة والتآمر، وما جرى الآن قد يفرض استقراراً بمعنى

قد يحول دون حروب جديدة في المنطقة. ولكن لنا في التاريخ عبراً كثيرة، هذا

الوضع لا يمكن أن يستمر إلا في ظل استمرار الهيمنة الأمريكية / الإسرائيلية،

وفي اللحظة التي تخف فيها هذه الهيمنة أو تضعف، فكل شيء في الشرق الأوسط

سيكون مهيئاً للانفجار الكبير لإزالة آثار هذه النكبة الجديدة.

الآن نحن أمام مجهول جديد سيفوز حتماً قوى جديدة مضادة لهذا المشروع

التصفوي للقضية الفلسطينية ولقضية القدس ومصير شعب فلسطين. وبوادر هذا

الأمر أن هناك تياراً أصوليا ينمو، وأعتقد أن الأجواء الجديدة ستفتح المجال أكثر

وأكثر إلى نهوض مثل هذا التيار» .

الدولية 15/9/93م

تحت راية إجهاض التطرف:

«ترفع الولايات المتحدة في سبيل إقناع الأطراف العربية بتقديم التنازل تلو الآخر راية التهديد بمن تسميهم المتطرفين والإرهابيين في البلدان العربية الذين يتربصون بالعملية السلمية الدوائر، ويخططون للانقضاض عليها إن فشلت، وتحت تلك الراية - راية إجهاض ما يسمى بالتطرف - تدفع الإدارة الأمريكية عجلة المسيرة السلمية وتزودها بالزخم اللازم. تتسع دوائر الاستفهام إزاء اللغز الأمريكي المتعلق بقضية الإرهاب وتعريفه، عندما تلاحق دوائر الأمن الأمريكية أي تصريح لشيخ هنا أو خطيب مسجد هناك تصفه بالإرهاب وتتهمه بالتحريض عليه. وقد عجز القضاء الأمريكي إلى الآن على سبيل المثال عن إثبات أية تهمة حقيقية ضد الشيخ عمر عبد الرحمن - أيا كان الموقف منه -، ولمم تتعد الاتهامات الحقيقية إطار ملاحظة دعوات التحريض في خطبه وتصريحاته، وهي التي لا تقارن مع دعوات جيش) كاهانا حي (لإبادة العرب والمسلمين حيث كانوا، فضلاً عن مقارنتها بممارسات ذلك الجيش ومعسكرات تدريبه الفعلية. ... عموماً، ليس من اليسير ولا من المتوقع فك سر هذا اللغز في تناقض الموقف والممارسة في هذه القضية إذا تمت المناقشة بشكل يفصلها عن مجمل السياسات الأمريكية العليا إزاء مختلف القضايا، بل يجب النظر إلى أن قضية (الإرهاب الدولي) والتصنيف بالإرهاب وغيره ليست سوى جزء مكمل من

تلك السياسات، ولا علاقة له بموضوع الإرهاب كموضوع مجرد لا من قريب ولا

من بعيد. والقرار بتصنيف هذا البلد أو ذاك أو تلك المنظمة أو غيرها هو قرار

سياسي أولاً وآخراً، له خلفيات ومعطيات ويرمي لتحقيق سياسات واضحة من

خلال الضغط أو التخويف أو الاحتواء أو التلويح بورقة التصنيف ضمن دول

الإرهاب الدولي. وما البلاغة اللفظية الظاهرية في صلابة الموقف إزاء الإرهاب

أو الحزم التمثيلي المرئي في توجيه الاتهام سوى نمط من أنماط أداء الكاوبوي

المتغطرس الهادف لإخفاء حقيقة المرامي والغايات» .

خالد الحروب، الحياة 23/9/93م

التدخل المباشر تحت شعار حقن الدماء:

«لابد من العودة قليلاً إلى رد الفعل الأمريكي على هذا الاتفاق، وهو كما نؤكد جميع الدلائل، رد فعل مؤيد، ومرحب، وبتجاوز ذلك إلى الاعتقاد بأن اتفاق (غزة أريحا) هو بمثابة الجزء المهم من الترتيبات الأمنية الشرق أوسطية التي تدعو إليها وتعمل من أجلها الولايات المتحدة. هذا الاعتقاد الذي يجزم المراقبون الأردنيون بصحته، يدفع إلى الاعتقاد أيضاً بأن واشنطن ستعمل بكل قوتها على محاربة أي توجه يسعى لإفشال (اتفاق غزة أريحا) مثلما أنها ستسعى بكل قوتها إلى توفير الترتيبات العسكرية اللازمة لإنجاز هذا الاتفاق، ولو بالقوة، كما أنها ستسعى إلى توفير التمويل اللازم لمختلف المشروعات، التي تشكل عناصر هذا الاتفاق ليصبح في يدها سلاحان اثنان: سلاح الترغيب الاقتصادي، والترهيب الأمني. كما ستسعى واشنطن للتدخل مباشرة إذا ما نشب أي نزاع بين الفلسطينيين أنفسهم، خاصة وأن التوقعات تشير إلى أن (حماس) لن تسكت، وسيكون التدخل الأمريكي ت حت شعار (حقن الدماء) (؟ !) ولكن بهدف تحجيم القوى الإسلامية الرافضة لاتفاق (غزة - أريحا) .

وستلعب الشرطة الفلسطينية دوراً بارزاً في تحجيم القوى الإسلامية وبخاصة عندما تشترك الشرطة الفلسطينية مع الشرطة الإسرائيلية في حفظ الأمن، انطلاقاً مما يدور من أحاديث حول تسيير دوريات شرطة مشتركة. كما سيلعب شعار

(مكافحة الإرهاب) دوراً بارزاً في قمع القوى الإسلامية والراديكالية اليسارية، التي ما تزال تصر على الرفض» .

الأسبوع العربي 13/9/93م

إسرائيل الاقتصادية الكبرى:

«إن إسرائيل لا تستعد لخوض معركة تصدير واستيراد من وإلى أسواق الدول العربية. فهذا النوع من التجارة ستمارسه إسرائيل لمجرد كونها تريد كسر حاجز الممانعة الشعبية العربية ضد وجودها أو انخراطها في المنطقة، على أن الهدف الاقتصادي الكبير لإسرائيل سيكون إعادة صياغة المنطقة اقتصادياً بطريقة تحتل فيها (تل أبيب) مكانة عاصمة المعلومات التكنولوجية في السوق الشرق أوسطي الذي لن تنتهي حدوده عند تخوم ما كان يعرف حتى الأمر القريب بحدود الاتحاد السوفيتي، بل هو لأول مرة في العهد الإسرائيلي سيجذب إليه - أي السوق - عالماً استهلاكياً وجغرافياً جديداً اسمه آسيا السوفيتية والهيمنة الإسرائيلية على حركة هذا السوق هي التي يقصدها شمعون بيريز حينما يقول بضرورة التخلي عن (إسرائيل الجغرافية الكبرى) لمصلحة قيام (إسرائيل الاقتصادية

الكبرى) . ولعل أخطر ما في هذه الفكرة المرعبة هو حقيقة أن عرفات يراهن على أن الأموال الدولية المرصودة لإنضاج إسرائيل الاقتصادية الكبرى، ستساعد في خلال تفاعل مساراتها على ولادة القزم الفلسطيني الشريك لإسرائيل والمقطوع الصلة بالعرب، لأن من شأن ذلك، حسب بيريز محو سلوك العداء العربي لإسرائيل الذي قد يستمر في المستقبل انطلاقاً من ذاكرة فلسطين» .

الشراع 9/93م

وبعد كل هذا (الاعتدال) ؟ ! :

«الواقع أن اشتداد الحملة العالمية في هذا الظرف على الإسلام كدين وكعقلية يوحي بالريبة والشك في دوافع القائمين بها.

ففي كل مكان حاكم مسلم، أو حكومة إسلامية، أو منظمة أو هيئة تدعو إلى التكيف مع النظام الدول الجديد (!) والتعاون معه ومع من هم على رأسه بكل روح طيبة، ولو كلف ذلك القسوة على الذات (!) والتسامح مع الآخرين من أهل الطمع بالأرض العربية وثرواتها، والتخلي عن كل وسيلة غير سلمية في حل الخلافات، بل تعريض النفس للخطر نتيجة مفاجأة المجتمعات التقليدية والشعوب العريقة المتجذرة في معتقداتها وأعرافها بضرورة مسالمة العدو والتفاهم معه على علاقة من نوع جديد. ومع ذلك، لا أثر في إعلام الغرب ومنتدياته السياسية والفكرية لأي تفهم حقيقي وتقدير حقيقي للانقلاب السلمي الذي يحدث في العالم العربي، وفي العالم الإسلامي كله! الحكومات الغربية تقبل بمسالمة عدو مزروع بالأصل زرعاً على أرض لا يملكها، حباً منها (؟ !) بالتنسيق مع الأسرة الدولية والأصدقاء الدوليين، ومع ذلك تستمر الحملات عليها وكأنها تخوض الحرب ضد العالم وضد اليهودية وضد المسيحية الغربية. منظمة التحرير الفلسطينية تتخلى، بمبادرة تاريخية، عن السلاح وترضى بجزء بسيط من وطن شعبها دفعة على الحساب وتؤجل كل نقطة خلافية، ومع ذلك يبقى المسلمون في إعلام الغرب وعند ساسته متطرفين!» .

افتتاحية الحوادث 6/9/93م

لقطات إخبارية

«كان البيت الأبيض قد أعد ثلاث صور خلف منصة التوقيع، للعلم

الأمريكي يتوسط العلمين الفلسطيني والإسرائيلي. واعترض إسحق رابين وشمعون

بيريز لأن العلم يمثل دولة، وفي نظرهم أن فلسطين ليست دولة، على الأقل بعد،

وأن رفع علمها يمثل اعترافاً ضمنياً. وانضم قسم البروتوكول في البيت الابيض

للجانب الإسرائيلي، مُفتياً بأن رفع العلم الفلسطيني يشكل اعترافاً بوجود دولة

فلسطينية. وحل الإشكال بصرف النظر عن رفع الأعلام الثلاثة. ولم يكن مقرراً

تبادل المصافحة في أي مرحلة من مراحل الاحتفال، إلا أن ياسر عرفات - مدركاً

أن أنظار العالم كله تتابع ما يحدث في (الحديقة الجنوبية) بالبيت الأبيض! - مد

يده إلى رابين الذي أخذته المفاجأة وتردد لحظات ثم أدرك خطورة رفض اليد الممتدة

له، وصافح عرفات، ومن بعده صافح عرفات بيريز بشكل غير متوقع فمد يده

وانتظر 4 ثوان ليلتقط يد بيريز! . وكان الرئيس كلينتون قد أعد لحفل عشاء

رسمي في البيت الأبيض احتفالاً بالاتفاق، ووجهت الدعوات بالفعل إلى 150

شخصاً من نخبة السياسيين والدبلوماسيين في العاصمة الأمريكية. ويوم الاثنين

صباحاً، أبلغ رابين كلينتون أنه لن يستطيع حضور حفل العشاء لأنه يريد العودة

إلى إسرائيل في أقرب وقت ممكن بعد احتفال التوقع. وأسقط في يد البيت الأبيض

الذي لم يرغب في عقد حفل عشاء تكريماً لياسر عرفات ومحمود عباس وحدهما،

وألغي الحفل في اللحظة الأخيرة!» .

«نقلت إذاعة العدو الإسرائيلي عن مسؤول فلسطيني في منظمة التحرير

قوله بأن المنظمة ستعرف كيف تتعامل مع حركة حماس إذا سمح لها بإدخال قوات

شرطة كافية إلى الضفة والقطاع. ومن ناحية أخرى قالت صحيفة هارتس

الإسرائيلية: إن الحكومة الإسرائيلية قررت إعادة عدد من مبعدي حركة فتح،

وإطلاق سراح عدد من كبار زعماء فتح في السجون الإسرائيلية للوقوف في وجه

حماس في الفترة القادمة» .

المجتمع 10/9/1993م

موساد وشين بيت تحميان عرفات:

«ازدادت المخاوف من احتمالات تعرض ياسر عرفات إلى الاغتيال في أعقاب التهديدات التي تلقاها من جهات عديدة. وذكرت صحيفة الواشنطن بوست أمس في تقرير لها من تونس أن عرفات قد يتلقى حماية أمنية من جهازي الاستخبارات الإسرائيلية الخارجي (الموساد) والداخلي (الشين بيت) . ونسبت الصحيفة إلى مصادر رفيعة المستوى في منظمة التحرير قولها: إن بعض كبار المسؤولين عن أمن عرفات يخططون لعقد اجتماعات في أوروبا الأسبوع المقبل مع ممثلين عن الموساد والشين بيت» .

الوطن 25/3/1414هـ

المغرب الدور القديم/الجديد:

«ليس من غريب الصدف أن تكون الرباط أول محطة لرابين بعد توقيعه اتفاقية السلام مع الفلسطينيين. فبعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979م، كانت الرباط أيضاً أول محطة عربية للرئيس أنور السادات، قبل 15 سنة، إذ جاء السادات هو الأخر ليشكر العاهل المغربي على الجهود التي بذلها من أجل الوصول إلى إبرام أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل. ذلك أن العاهل المغربي لعب دوراً كبيراً في ترتيب لقاءات سرية بين موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك ونائب الرئيس المصري حسن التهامي، وهي اللقاءات التي مهدت لزيارة السادات للقدس عام 1977 م.

المجلة 2/10/1993م

أول تحرك لسهى عرفات:

» أعلنت سهى الطويل قرينة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أنها ستعمل على تطبيق نصوص مجلة الأحوال الشخصية التونسية في منطقتي غزة وأريحا، لأن المجلة التونسية تعطي المرأة حقوقاً كبيرة! ! وطالبت السيدة سهى في تصريح أدلت به للصحفيين، النساءَ الفلسطينيات بمساندتها «.

الحوادث 14-24/9/1993م

صحيفة كويتية تنشر إعلاناً لشركة سياحة إسرائيلية:

» نشرت صحيفة (السياسة) الكويتية أمس إعلاناً كبيراً في الصفحة الأولى لصالح إحدى شركات السياحة الإسرائيلية، تدعو فيه السياح الكويتيين لزيارة المسجد الأقصى بالقدس ومقام نبي الله إبراهيم بمدينة الخليل. وذكر الخبراء الاقتصاديون بالكويت: أن الايام القادمة ستشهد نشاطاً مكثفا لشركات السياحة الإسرائيلية، للاستفادة من الانفراج النسبي في العلاقات العربية الإسرائيلية بعد اتفاق غزة - أريحا «.

الجمهورية 27/3/1414هـ

» تناقلت مصادر عديدة هنا في باريس أن الولايات المتحدة الأمريكية

والكيان الصهيوني قد وقعا اتفاقاً مريباً يقضي بتزويد حكومة رابين بقمر صناعي

جديد تتكفل واشنطن بإعداده لإطلاقه لنقل كل تفاصيل ومراقبة ما يدور في (غزة

وأريحا) على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلى تزويد القوات الإسرائيلية بأجهزة

رادار متطورة وأسلحة تعمل بأشعة الليزر لضبط الأمن في (الكيان الجديد مع

التركيز على القوى الإسلامية وكل المعارضين للحلول الاستسلامية. من جهة

أخرى تقول نفس المصادر: إن مصر تعهدت بإقامة نقاط تفتيش إسرائيلية -

مصرية مشتركة للحيلولة دون عبور أي من الفلسطينيين من الأراضي المصرية من

خلال قطاع غزة. إن الصهاينة توصلوا إلى تحقيق أغراضهم بالحفاظ على أمن

إسرائيل عن طريق التأكد من استعداد الطرفين الفلسطيني [خط عرفات] المصري

إلى التعاون مع القوات الإسرائيلية لخنق المعارضة الإسلامية ومنعها من تسديد

ضربات قوية في قلب الكيان الصهيوني، بعد أن قام هذا الأخير بتأمين حدوده

الشمالية مع لبنان إثر الاجتياح الأخير للجنوب اللبناني) .

المجتمع 14/9/1993م

«قال السيد بسام الشكعة رئيس بلدية نابلس معلقاً على اتفاقية (غزة -أريحا: إنه لم يفاجأ لأن عرفات قال عام 82 وأثناء حصاره في بيروت (إنني قررت

أن أركب القطار، الأمريكي ومن أراد أن يصعد معي فليتفضل) ..! ! أما مسؤول

فلسطيني آخر فقد بشّرنا بأن رئيسه لم يقرر السير في هذا الطريق منذ عام 82 بل

قبل 25 عاماً وأنه أجرى مباحثات سرية مع مسؤولين إسرائيليين والتقى موشى

ديان..»

الإصلاح 22/9/1993م

«تولت القاهرة منذ وقت مبكر تدريب 150 ضابطاً فلسطينياً على أعمال

حفظ الأمن وفك الشفرات واكتشاف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها، فضلاً عن

سبل انتزاع الاعترافات من المتهمين. ويعتقد أن اللجنة الأمنية التي سيتم تشكيلها

بين مصر والإدارة الفلسطينية في غزة، سيكون لها الأولوية على غيرها من

اللجان» .

الأسبوع العربي 13/9/1993م

تعليقات قصيرة

الأسير يجر فلسطين معه:

«إن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، هو الآن مجرد أسير لدى إسرائيل، لكن بدلاً من أن يكون أسيراً منفرداً، جرّ معه فلسطين كلها وتاريخها إلى الأسر، وبدلاً من أن يكون أسيراً عاطلاً عن العمل، فهي أسير عامل كشرطي تماماً في خدمة الدولة الصهيونية

الشراع 9/93م

سوبر ماركت عرفات:» هذا الاتفاق هو ثمرة من ثمار كامب ديفيد.. وإني

أتساءل: هل الهدف هو أن أقيم (سوبر ماركت) لبيع المرطبات والحلوى في

غزة؟ ! .... . هل الهدف هو إقامة بعض المنشآت الاقتصادية، أم الهدف أكبر من ذلك وهو تحرير الأرض والإرادة؟ ! وأقول: إنه لا يحق لأي حكومة من الحكومات العربية أن تنتقد هذا الاتفاق، فكلهم متعاونون مع أمريكا وكلهم يريد إنهاء المشكلة على أي وضع فلا يحق لهم أن ينتقدوا! ! «

د. عبد الوهاب المسيري، المجتمع 10/9/1993م

إرهابي ما بعد السلام:

» إن الإرهابي حالياً هو كل من يقف في طريق اتفاقية (غزة - أريحا) . لقد أثبت احتفال توقيع الاتفاقية هزال تهمة الإرهاب التي أعلنت واشنطن أنها تحكم علاقاتها مع العديد من الدول والتنظيمات. آخر ما بحث عنه الأمريكيون (وقبلهم الإسرائيليون) في تعاملهم الأخير مع منظمة التحرير الفلسطينية كان هذا

(الإرهاب) الذي دوّت الاتهامات بشأنه على مدى حوالي ربع قرن من الزمن. إن ماضي المنظمة (الإرهابي) سقط كله خلال لحظات حين قرر ياسر عرفات القبول بالشروط الإسرائيلية - الأمريكية المتعلقة بصيغة (الحكم الذاتي المحدود) ، وفق رغبات تل أبيب وواشنطن، والاستنتاج المنطقي في هذه الحال: إن المطلوب هو سياسة معينة والإرهابي هو الذي لا يستجيب لها «.

الأسبوع العربي 20/9/1993م

» إذا سار هذا الاتفاق في طريق النجاح، وإذا بدأت المساعدات الاقتصادية

تنهال على الشعب الفلسطيني، فإن عرفات سيكون قد نجح في (رشوة) شعبه

لتأييد جهود المنظمة السلمية وزيادة شعبيتها وتكريسها كممثل شرعي وحيد للشعب

الفلسطيني، وفي نفس الوقت ستسلم إسرائيل لعرفات، الإدارة الأمنية لمنطقتي

غزة وأريحا، لأجل التعامل بنجاح مع موجة التطرف الأصولي في المنطقتين،

وبذلك يكون عرفات قد أدى خدمة كبيرة لإسرائيل وأراحها من أعدى أعدائها في

منطقة الحكم الذاتي، وهي حركة التطرف الأصولي التي ترفض التعامل أو

التفاوض مع اليهود لأن الإسلاميين يهدفون إلى تدمير إسرائيل عاجلاً أم آجلاً! «.

(صنداي إكسبريس) نقلاً عن الوطن 27/9/1993م

أيهما أصدق:؟

» أستطيع أن أقول للشعب الفلسطيني: إن لديه صديقاً كبيراً في البيت الأبيض.

ياسر عرفات، المجلة (711)

يقول الرئيس الأمريكي كلينتون: «أؤكد على أن القدس عاصمة موحدة أبدية

لدولة إسرائيل مع رفض كامل لإقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع»

ساكن البيت الأبيض (كلينتون) القبس 23/9/1993م

طور بواسطة نورين ميديا © 2015