دراسات أصولية
-2-
هيثم الحداد
استدل العلماء على هذه القاعدة (سد الذرائع) بالنقل والعقل، والمتأمل في هذه
الأدلة يجدها تفيد القطع بصحة القاعدة في الجملة.
أما النقل: فيستدل به من عدة أوجه: [1]
أولاً: الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم أسبابه ووسائله، ولا يعقل كما يقول
ابن القيم - رحمه الله - أن يحرم الله شيئاً ويبيح أسبابه ووسائله المفضية إليه وهذا
واضح في أمور كثيرة. بل إن الشريعة تؤكد على تحريم الوسائل والأسباب إذا كان
ما تؤدي إليه من الكبائر، وأمثلة هذا النوع وشواهده كثيرة جداً، فقد حرم الله عز
وجل الكفر، وحرم أسبابه ووسائله حتى يصون المؤمنين، ويبعدهم أشد البعد عن
هذا الظلم العظيم. ومن أهم أسباب الكفر اتباع خطوات الشيطان ووسائله، فحذر
الله - عز وجل - من هذه الوسائل، بعدة طرق، وفي مواطن كثيرة جداً، قال الله
تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً ولا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ] [2] ونهى الله - عز وجل - عن اتخاذ المشركين
أولياء، لأن هذا من أسباب محبتهم ومحبة دينهم وهو من ذرائع الكفر، قال تعالى
[لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ] [3] وقال [يَا أَيُّهَا الَذِينَ
آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ] [4] وبيّن سبحانه وتعالى علة النهي فقال:
[ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ] [5]
كما نهى سبحانه وتعالى عن الإقامة بين أظهرهم، قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول
الله ولمَ؟ قال: لا تراءى نارهما [6] عن مخالطتهم، لأن مخالطتهم تؤثر على
الإيمان، وتضعف بغضهم وبغض دينهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:
» لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم « [7] .
بل إنه سبحانه وتعالى نهى عن مشابهتهم للأسباب نفسها أيضاً واستفاضت
النصوص في التحذير من ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:» من
تشبه بقوم فهو منهم « [8] ، بل قد حرمت الشريعة أموراً لكونها تشبها بالكفار،
ومن ذلك تحريم التشبه بهم في الملبس والمأكل، ومنها الصلاة في أوقات معينة،
وغير ذلك كثير.
وبعد فقد حذرت الشريعة أشد التحذير من المعاصي ومقارفتها لأنها بريد الكفر.
ومثل ما تقدم في تحريم الكفر وذرائعه، والزنا وذرائعه، كان تحريم الربا
وشرب الخمر وذرائعهما، إلى غير ذلك من المحرمات.
وكل هذه الشواهد تفيد القطع بأن الشريعة إذا حرمت شيئاً حرمت ذرائعه.
ثانياً: وهذا الوجه من أقوى وجوه الاستدلال على هذه القاعدة وأوضحها؛ إذ
جاء الشرع بتحريم وسائل لاشك في إباحتها لو تجردت عما أفضت إليه - وقد
تتجرد فترجع إلى أصل الإباحة. وانما حرمها الشارع، لعلة إفضائها إلى محرم
وأدلة هذا الوجه كثيرة أيضاً، لكن دلالاتها تختلف قوة وضعفاً، بل قد نازع فيها
بعض العلماء؛ لأن تلك العلل غير منصوص عليها، فلم يتفقوا مع غيرهم على أن
علة التحريم هي إفضاؤها إلى محرم، فكأنهم جعلوا النهي تعبدياً، أو بنوه على علة
أخرى.
من أجل هذا سأقتصر هنا على تلك الأدلة التي نصت على أن علة تحريم هذه
الوسائل إفضاؤها إلى محرم.
الأدلة من الكتاب:
1 - قال تعالى [ولا تَسُبُّوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ
عِلْمٍ] [9] .
ووجه الاستدلال أن الله - عز وجل - حرّم سب الآلهة مع أنه عبادة، وعلل
هذا المنع بكونه ذريعة إلى سبهم له -جل وعلا- فمصلحة تركهم سب الله -سبحانه- راجحة على مصلحة سبنا لآلهتهم. [10]
فالوسيلة هنا هي سب آلهة المشركين، وأقل أحوالها الاستحباب، ويغلب
على الظن إفضاؤها إلى سب المشركين لله - عز وجل -.
2- قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ] [11] ... وجه الاستدلال: أن هذا النص ظاهر في المنع من السؤال المباح، إذا خيف
إفضاؤه إلى محظور، خاصة إذا علم سبب نزول الآية: وهو أن رجلاً قال: يا
رسول الله من أبي؟ قال: فلان، فقالت له أمه: ما سمعت بابن أعق منك أظننت
أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية، فتفضحها على أعين الناس فقال:
والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت.
وأما السنة فالشواهد كثيرة جداً منها:
1- تركه -صلى الله عليه وسلم- قتل المنافقين، مع أن في قتلهم مصلحة
كبيرة، ثم علل ذلك بقوله» حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه « [12]
2- وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها-:» لولا
قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين، باب يدخل منه الناس،
وباب يخرجون « [13] وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله» باب من ترك
بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه، فيقعوا في أشد منه « [14] .
ثالثاً: جاءت الشريعة بالحث على ترك الشبهات؛ لأن ارتكابها ذريعة إما إلى
الوقوع في الحرام بغير قصد، وإما إلى اتخاذها مطية لأغراض فاسدة، فمن احتاط
لنفسه، لم يقرب الشبهات، فلا يقع في واحد من هذين المحظورين. وقد حث
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ترك الشبهات في أكثر من حديث، منها
الحديث المشهور عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه-، وموطن الشاهد منه:
» فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام «. [15] ، وحديث» دع ما يريبك إلى ما لا يريبك « [16] .
ومظاهر العمل بترك الشبهات، الذي هو عمل بسد الذرائع، كثيرة جداً
يطول استقصاؤها ومن صورها:
1- أن الشرع حث المسلم على اجتناب مواطن التهم حتى لا يتعرض لإساءة
الظن بدينه، ومن ذلك قصته - صلى الله عليه وسلم - وصفية -رضي الله عنها-
حين أراد أن يودعها إلى أهلها فرآه اثنان من الصحابة، فأسرعا، فقال لهما رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-:» على رسلكما، إنها صفية بنت حيي «فقالا:
سبحان الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» إن الشيطان يبلغ من ابن
آدم مبلغ الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً « [17]
2- حديث امتناعه - صلى الله عليه وسلم - أن يأكل التمرة التي رآها ملقاة
خشية أن تكون من الصدقة» [18] .
رابعاً: أن الله - عز وجل - توعد بالعقاب من يحتال إلى الممنوع بفعل جائز
فدل ذلك على تحريم الفعل الجائز إذا كان يتوسل به إلى ممنوع، وهذا هو عين سد
الذرائع.
ومن أشهر أمثلة ذلك: أن الله - جل وعلا- ذم أصحاب السبت؛ لأنهم
احتالوا على ما حرمه عليهم من صيد الحيتان يوم السبت، وابتلاهم الله -عز وجل- بأن جعل الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً (ظاهرة) ، ولا تكون على هذه الحالة
باقي الأيام، فاحتالوا على ذلك؛ بأن حفروا لها حفراً في البحر تحجزها ليسهل
عليهم صيدها في باقي الأيام. [19]
وأما العقل: فيمكن إجمال اعتبار العقل لقاعدة سد الذرائع بكلام ابن القيم -
رحمه الله - حيث يقول: «لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق
تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها، معتبرة بها، فوسائل المحرمات
والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غايتها، وارتباطها بها
ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن بها بحسب إفضائها إلى غاياتها،
فوسيلة المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود، لكنه مقصودٌ قصدَ الغايات،
وهي مقصودةٌ قصدَ الوسائل، فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي
إليه فإنه يحرمها، ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه، وتثبتاً له، ومنعاً أن يقرب حماه،
ولو أباح الوسائل المفضية إليه لكان ذلك نقصاً في التحريم، وإغراء للنفوس به،
وحكمته تعالى تأبى ذلك، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك، فإن أحدهم إذا منع جنده
أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه
فقد أفسد منعه، ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده.
وكذلك الأطباء إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع
الموصلة إليه، وإلا أفسد عليهم ما يرومون إصلاحه، فما الظن بهذه الشريعة
الكاملة التي هي في أعلى درجات الحكمة والمصلحة والكمال؟ ومن تأمل مصادرها
ومواردها علم أن الله تعالى ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى المحرمات بأن
حرماها ونهيا عنها» [20]
أمثلة وتطبيقات على سد الذرائع:
قبل ذكر هذه الأمثلة لابد من التنبيه على أمر مهم جداً، وهو أن تطبيق هذه
القاعدة والعمل بها -وهو ما يُعرف بتحقيق المناط الذي من معناه تحقيق وجود العلة
في الواقعة حتى يُبنى عليها الحكم - لا يمكن أن يكون صحيحاً إلا بمعرفة واقع
المسألة معرفة جيدة، وهو ما أطلق عليه ابن القيم - رحمه الله - الفقه في الواقع،
فحتى نخرج بتطبيق صحيح لهذه القاعدة، لابد أن نميز درجة إفضاء الأمر الجائز
إلى الممنوع، وتحديد درجة الإفضاء هذه تختلف فيه التقديرات اختلافاً كبيراً، كل
بحسب ما وصل له، أضف إلى ذلك أن تقدير متعلق الوسيلة بأمر حاجي أو
ضروري، وكذا المتوسل إليه، أمر قابل لاختلاف وجهات النظر.
فمن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في حياة السلف مما يشابه واقعنا:
1 - الحرص على الوحدة والائتلاف، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف.
وهذا من أعظم الأصول التي دعت إليها الشريعة وطبقها السلف الصالح -
رضي الله تعالى عنهم-، فظهرت آثار المحافظة على هذا الأصل في مواقف كثيرة، منها مثلاً تركهم بعض المباحات، بل بعض السنن من أجل عدم التفرق
والاختلاف، وهذا من فقههم -رحمهم الله تعالى-، فواجب على من سار على
سبيلهم أن يقتدي بهم في ذلك، ومن أمثلة ما نقل عنهم في هذا الباب، قصة عبد
الله بن مسعود -رضي الله عنه- في صلاته خلف أمير المؤمنين عثمان بن عفان -
رضي الله عنه- بمنى إتماماً مع أن السنة القصر، فلما قيل له في ذلك قال:
«الخلاف شر» .
ومن أجل ذلك نرى شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقرر أنه
«يستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك مثل هذه المستحبات لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا» .
ومن هذا ما يقع الآن بين الدعاة وطلبة العلم من رد هذا على ذاك. إن الرد
على المخالف، مشروع في الجملة، وهو سنة الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن
سار على هذا من أكابر العلماء، إلى يومنا هذا.
لكن هل هذا الأمر على إطلاقه؟ فهل يكون الرد على المخالف مشروعاً حتى
وأن أفضى إلى فساد، أو منكر أكبر؟
إن الرد على المخالف وسيلة، القصد منها إظهار الحق لازهاق الباطل،
وإعلاء كلمة الدين، لكن هذه الوسيلة قد تأتي بضد ما شرعت لأجله، فيحصل
بسبب هذا الرد تفريق الأمة، واقتتالها فيما بينها ومن ثم ضعفها، واستطالة الأعداء
عليها، ومن ثم ذهاب بيضة هذا الدين، فهل يبقى الرد عندئذ على المخالف مطلوباً
مشروعاً؟
هذه مسألة تحتاج إلى بحث ونظر، حسب القواعد والضوابط الشرعية،
وحسب الواقع، ولا يتسع المجال لعرضها في هذا المقال، وأدعو الأخوة الباحثين
والدعاة وطلبة العلم، أن يبحثوا هذه المسألة بحثاً علمياً مؤصلاً.
ولا مانع هنا من أن نعرض بعض ما يجب مراعاته في دراسة هذه المسألة
مما له صلة ببحثنا.
الرد على المخالف في المسائل الاجتهادية كطرائق الدعوة مثلاً
أكثر ما يقال فيه أنه وسيلة مشروعة، لا تصل إلى الوجوب، إذا غلب على الظن أداؤها لحدوث تدابر وتباغض بين المسلمين وإنما تسد؛ لأنها ذريعة إلى أمر ممنوع.
لكن ما حكم الرد على المخالف في غير المسائل الاجتهادية، إذا أدى إلى
حدوث ذلك الفساد؟ ينبغي أن ينظر إلى حجم المخالفة، ثم مدى تأثر الناس بها،
وحجم المصلحة الناتجة من هذا الرد، ثم حجم الفساد الذي أفضت إليه هذه الذريعة، وكذلك درجة إفضاء هذا الرد لهذا الفساد.
الأمر بمجانبة أهل الأهواء والفساد
لقد سبق القول إن الشرع حث المسلم على عدم مخالطة المشركين، لأن ذلك ذريعة لمحبتهم أو محبة دينهم، وكذلك فإن مخالطة أهل الأهواء ذريعة إلى التأثر بهم، أو دخول بعض شبههم إلى قلبه، وأقل ذلك الخوض معهم في باطلهم، ومثل مخالطتهم، قراءة كتبهم والنظر فيها، لذلك فقد جاءت نصوص كثيرة عن الصحابة والتابعين وأئمة السلف في التحذير من ذلك، وأقوالهم في ذلك كثيرة حتى كانت مجالاً رحباً للتصنيف، وما ذلك إلا عملاً بسد الذرائع، من أشهر ذلك قصة عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- مع صبيغ بن عسل، حينما كان يسأل عن متشابه القرآن في أجناد المسلمين، فأمر الناس باعتزاله، حتى رجع عن ما هو فيه، ثم أذن عمر للناس بمخالطته.
وقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: «لا تجالس صاحب هوى فيقذف
في قلبك، ما تتبعه عليه فتهلك، أو تخالفه فيمرض قلبك» .
وعن أبي قلابة -رحمه الله تعالى- «لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالاتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون» قال
أيوب: وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب. [21]
حدثوا الناس بما يعرفون كما قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، قال
ابن حجر معلقاً: «وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ... »
ثم قال: «وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج قصة العرنيين لأنه اتخذها
ذريعة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي، وضابط ذلك
أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه
عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم» . [22]
ليس كل ما يعلم يقال وإن كان حقاً، كما قال كثير بن مرة الحضرمي:
«إن عليك في علمك حقاً كما أن في مالك حقاً، لا تحدث بالعلم غير أهله فتجهل، ... ولا تمنع العلم أهله فتألم، ولا تحدث بالباطل عند الحكماء فيقتلوك» [23] . وهذا واضح في حديث معاذ. أفلا أبشر الناس؟ قال: (لا فيتكلوا) . وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال محدثاً عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-:
«لو شهدت أمير المؤمنين أتاه رجل فقال: إن فلاناً يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعنا فلاناً، فقال عمر: لأقومن العشية، فأحذر هؤلاء الرهط، الذين يريدون يغضبوني، قلت: لا تفعل، فإن الموسم، يجمع رعاع الناس، ويغلبون على مجلسك، فأخاف أن لا ينزلوها على وجهها فيطيروا بها كل مطير، وأمهل حتى تقدم المدينة، دار الهجرة، ودار السنة، فتخلص بأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، ويحفظوا مقالتك وينزلوها على وجهها، فقال: والله لأقومن في أول مقام أقومه بالمدينة» .
وتطبيقات سد الذرائع أكثر من أن تحصى، ولهذا قال ابن القيم -رحمه الله
تعالى- «وباب سد الذرائع أحد أرباع التكليف، فإنه أمر ونهي والأمر نوعان،
أحدهما مقصود لنفسه، والثاني وسيلة إلى المقصود، والنهي نوعان أحدهما ما
يكون المنهي عنه مفسدة في نفسه والثاني ما يكون وسيلة إلى المفسدة، فصار سد
الذرائع أحد أرباع الدين) .
هذا ما تيسر والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وأله وصحبه
وسلم.