الورقة الأخيرة
في تقويم الصحوة
د / صلاح الصاوي
للصحوة الإسلامية المعاصرة إيجابياتها العديدة نذكر منها المحافظة على شمول
الإسلام وتكامل فهمه في حس أجيالنا المعاصرة، فقد أبقت في ذاكرة الأمة قضايا
أساسية في دين الله كان يمكن أن تكون أثراً بعد عين، كقضية تحكيم الشريعة.
ومنها الانتقال بمنهج التعامل مع القرآن الكريم من مجرد التعبد بسماعه وتلاوته
والاستمتاع الفني بدراسته إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من الاتباع لأمره ونهيه
والتقيد بتحليله وتحريمه كما روي عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قولها: كنا نقرأ الآية من القرآن فنحل حلالها ونحرم حرامها ونتأدب بآدابها لا نتجاوز
إلى الآية التي بعدها حتى نفعل بها ذلك فتعلمنا العلم والعمل جميعاً، ولقد كاد
خصوم الإسلام في هذا العصر أن يحيلوا الكتاب الكريم إلى أثر تاريخي مقدس يتلى
على سبيل البركة ولا علاقة له بالحياة ولا بالأحياء فجاءت هذه الصحوة المباركة
لترد الأمة إلى كتابها باعتباره المصدر الأعلى للوحي المعصوم الذي أنزله الله
ليكون الحجة القاطعة والحكم الأعلى بين العباد.
ومنها: تجديد الدين بإحياء كثير من السنن وإماتة كثير من البدع، وإزالة
الغربة عن كثير مما هجر الناس من شعائر الإسلام وشرائعه من كان يظن أن
حجاب المرأة المسلمة سيبعث مرة أخرى في جامعاتنا المعاصرة التي دار معظمها
في فلك التغريب بعد أن حرص خصوم الإسلام على إماتته والتشنيع عليه أكثر من
نصف قرن؟ ؟ ! إنه القدر الأعلى الذي لا يقف في وجهه أحد!
وللصحوة الإسلامية سلبياتها المتعددة كذلك، نذكر منها: تفرق كلمتها وفساد
ذات بين أفرادها في بعض الأحيان.. وهو أمر جد خطير لأن مآله في منطق السنن
الكونية إلى الفشل وذهاب الريح، قال تعالى: [ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ] ومنها: عدم ترتيب الأولويات في بعض الأحيان، فقد تهمش أموراً
أساسية وقد تغلوا في أمور جانبية، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، ومنها غياب
فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد أو ضعفه وهو عمدة الفقه وأساس التعامل في
واقع الفتن وغربة الدين..
إن العمل الإسلامي المعاصر يعيش في واقع لا تكاد تتمحض فيه المصالح
والمفاسد، إنما تتلاقى وتتزاحم في مناط واحد وعند حدوث هذا التلازم يقع الاشتباه
ويحدث الالتباس، ولا مناص في مثل هذه الحالة من الاجتهاد لتحقيق خير الخيرين
ودفع شر الشرين، لأن مبنى الشريعة كما قال أهل العلم تحصيل المصالح وتكميلها
وتعطيل المفاسد وتقليلها.. إن هذه الموازنة وهذا النوع من الفقه هو عمدة التعامل
في هذه المرحلة، ومن لم يستوعب أبعاده أعياه الأمر وعطل كثيراً من المصالح
الشرعية، وربما يفضي ببعض الناس إلى التحلل وخلع الربقة بالكلية، إن ذلك في
الحقيقة يمثل معقد التفرقة بين التطرف والاعتدال أو بين القصد والغلو.