مجله البيان (صفحة 154)

أفريقيا وإسرائيل مرة ثانية

أوردت جريدة الأندبندنت في 19 / 6 / 1987م نقلاً عن، وكالة الأسوشيتدبرس ... النبأ التالي:

ذكرت صحيفة (هاآرتس) : أن شركة صناعة الطائرات الإسرائيلية التي

تملكها الدولة ستقوم بفتح مركز للتدريب في نيجيريا على الرغم من القطيعة ...

الدبلوماسية بين هذه الدولة الأفريقية وإسرائيل منذ (14) عاماً.

ويقول التقرير: إن قائد القوات الجوية النيجيرية كان قد زار الجناح

الإسرائيلي في معرض باريس الجوى يوم 16 / 6 /1987م، فيما يبدو للترتيب

لفتح المركز، هذا ولم تعط الجريدة أية تفاصيل أخرى، فيما قامت شركة صناعة

الطائرات الإسرائيلية مؤخراً بنفي ما جاء بالتقرير.

ومما يذكر: أن روابط إسرائيل السرية مع دول أفريقيا السوداء كانت قد

شملت تدريب الحرس الرئاسي في زائير، وتزويد المغرب بالمعلومات في مجال

الاستخبارات، وكذلك إرسال الأسلحة إلى أثيوبيا.

وقد درجت إسرائيل على نفي هذه العلاقات تجنباً للإحراج الذي قد تسببه

للدول الأفريقية، إلا أن المسؤولين قد اعترفوا عبر قنوات خاصة أن الإيماءة إلى

هذه العلاقات قد تفتح الباب لعلاقات دبلوماسية مستقبلية.

هذا وكانت نيجيريا من بين تسعة وعشرين دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية

مع إسرائيل في أعقاب حرب الشرق الأوسط عام 1973م.

ولنا على هذا النبأ الملاحظات التالية:

إن التعاون الجديد المزمع البدء به بين الكيان اليهودي ودولة نيجيريا والذي

تحدثت عنه جريدة (هاآرتس) الصهيونية يعد إضافة جديدة إلى سجل التعاون الذي

سبق وأن شرعت به الدولتان منذ الأعوام التي تلت حرب عام 1973، وأن هذا

التعاون الذي يمثل طفرة أخرى تحققها إسرائيل في مسلسل مخططها الهادف إلى فك

عزلتها الدولية على وجه العموم، وتعميق تغلغلها في هذه القارة على وجه

الخصوص، ذلك المخطط الذي قطعت فيه إسرائيل شوطاً بعيداً يأتي متزامناً مع

اشتداد وطأة الهجمات التي تتعرض لها هذه القارة على يد الصليبية العالمية التي

أخذت في أيامنا هذه تلبس لبوس الإنسانية المتمثلة في مد يد العون والإغاثة إلى

بعض الشعوب المنكوبة في هذه القارة التي تعيش المحن تلو المحن وتئن تحت

وطأة النكبات، تلك المساعدات التي اتخذت أشكالاً شتى، من إغداق الأموال وبناء

المستشفيات وتوفير المواد الغذائية، كما أنه يأتي في وقت تكاد تخلو فيه هذه القارة

التي شكل المسلمون فيها نسبة لا يستهان بها من أي عمل إسلامي منظم بالمستوى

المطلوب يتناسب مع ما تحيكه أيادي الصليبيين واليهود وربيبتهم الشيوعية التي هي

الأخرى ماضية في مؤامراتها البشعة ضد شعوب هذه القارة.

إن إسرائيل التي تدرب الحرس الرئاسي في زائير ذات الولاء الغربي

وتتعاون مع دول أخرى غربية الولاء، هي ذاتها التي تزود النظام الدموي في

أديس أبابا ذا الولاء الماركسي (التقدمي) بالسلاح، كيف لا وهو الذي كان الأداة

الفعالة في عملية تهجير يهود الفلاشا في الماضي القريب، وهو اليوم أداة في تذبيح

أبناء شعبنا المسلم في أرتيريا، وليس هذا الذي تقوم به إسرائيل بغريب على من

اطلع على ماضي الشيوعيين ووعى حقيقتهم من خلال مواقفهم المخزية تجاه

شعوبهم وأوطانهم، فلطالما التقت مصالح اليهود مع الشيوعيين، لقد التقت عام

1948م عندما انحاز الشيوعيون إلى اليهود وأدانوا دخول الجيوش العربية إلى

فلسطين لمحاربة اليهود، وهكذا فإن إسرائيل لا ترى بداً من دعم أي نظام ماركسي

(تقدمي) كالذي في أثيوبيا، تجد فيه ضالتها كي تنال من أبناء المسلمين أينما حلّوا. ...

لم يعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولة وأخرى- لاسيما في حالاتٍ كتلك

التي مع إسرائيل - يمثّل مؤشراً على توقف التعامل بينهما، بل على العكس من ... ذلك، فكثيراً ما تكشف علائق حميمة ولقاءات وزيارات متبادلة، كانت في طي الكتمان، بين قادة دول لا يوجد بينها أي نوع من العلاقات الرسمية في الظاهر، بل القطيعة الكاملة وإشهار العداء أكثر بكثير مما عليه حال كثير من الدول التي تربطها علاقات دبلوماسية كاملة. فلم يعد (فَنُّ) قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيضها سوى ستار يُسدل كلما دعت الحاجة، ليكون حاجباً بين الشعب وبين ما يرسم من سياسات ومخططات تخص تلك الدولة، حتى إذا ما نضج كل شيء رُفع الستار ليواجه الشعب ما فات الأوان لتداركه.

إن ما حققته إسرائيل خلال السنوات القليلة الماضية - وما تحققه اليوم

أعظم- من أن يطرق عبر أسطر قليلة كهذه، ولقد سبق وأن تكلمنا في عدد سابق

عن التغلغل اليهودي في أفريقيا، وعن الأمر الذي بات ينذر بالخطر من جراء

شروع عدة من الدول الأفريقية، من بينها دول ذات أغلبية مسلمة، بإعادة العلاقات

الدبلوماسية مع إسرائيل، واليوم وبعد انقضاء أشهر معدودة على نشر ذلك المقال

تطالعنا كبريات الصحف بأنباء النجاح الذي حققته وتحققه إسرائيل في مجال كسب

أصدقاء لها في أفريقيا، لقد تمكنت إسرائيل من جر دول جديدة غير التي ذكرت في

المرة السابقة إلى صفها، فقد أعادت دولة (توغو) علاقاتها الدبلوماسية كاملة، في

حين باتت كل من غينيا الاستوائية والغابون على حافة إعادة تلك العلاقات. ويرى

المراقبون السياسيون في (سيراليون وأفريقيا الوسطى) مرشحين محتملين للحاق

بمن سبقهما. وكان إسحاق شامير (رئيس وزراء إسرائيل) حسبما أوردته جريدة

جروزاليم بوست، قد رد دعوة وجهت إليه لزيارة غينيا الاستوائية إبان جولته

الأفريقية احتجاجاً على عدم إعادة غينيا لعلاقاتها مع إسرائيل على الفور! [1] .

ومن المعلوم أن معظم الدول الأفريقية (سوى ثلاثة هي: ملاوي، ليسوتو،

وسوازيلاند) كانت قد اتخذت مواقف مؤيدة للدول العربية بشأن النزاع مع إسرائيل

لاسيما في أروقة الأمم المتحدة، وذلك في مقابل دعم الدول العربية لها ضد نظام

جنوب أفريقيا وحظر تصدير النفط له. وكان هذه الدول فعلاً قد تلقت مساعدات

مالية من الدول العربية بلغت ملايين الدولارات إبان فترة ارتفاع عوائد النفط،

وتستغل إسرائيل الظروف الراهنة على أتم وجه، فهي من جهة تستغل حالة التردي

الاقتصادي الذي عم أغلب الدول العربية لاسيما النفطية منها وعجزها عن مواصلة

دعمها لهذه الدول بالشكل الذي كانت عليه إبان ما يسمى بـ (طفرة البترول) ، فلم

يعد هناك ما يبرر بقاءها إلى جانب العرب، فقد انحلت الآصرة التي كانت تربط

الطرفين (الآصرة المالية) ، وهي من جهة ثانية تتمتع بما آلت إليه أحوال الدول

العربية من اضطرابات وفوضى وانقسامات في الآراء السياسية فيما يتعلق بمستقبل

العلاقات مع إسرائيل وطريقة التعايش معها، تلك الفوضى وذلك الانقسام المعلن

الذي وصل ذروته في أعقاب الزيارة التي قام بها الفرعون الصغير إلى فلسطين

المحتلة وما تلاها من لقاءات متبادلة معه معلنة وغير معلنة مع بعض العرب، في

ظروف كهذه وجدت إسرائيل ضالتها، فأخذت تتحرك في كل صوب وجهة من أجل

بلوغ مراميها، وبدأت إسرائيل تعرض خدماتها المختلفة لهذه الدول التي هي بأمسّ

الحاجة إليها، فتارة بعرض التكنولوجيا، وأخرى بالتعاون في المجال الأمني،

وثالثة في مجال الزراعة، وما إلى ذلك من أساليب الجذب والإغراء.

ولن تثار دهشتنا إذا ما علمنا أن دولة كنيجيريا ذات الغالبية المسلمة تستعين

بمئات من الخبراء اليهود الذين يقومون بأعمال الاستشارة والتدريب [2] . وعلى

الرغم من وجود هذا العدد الضخم من اليهود على أرضها فإن المراقبين الغربيين

يرون أنه من غير المرجح أن تُقدم نيجيريا على تجديد العلاقات مع إسرائيل رسمياً، وهي التي لم يمضِ على انضمامها إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلا فترة قصيرة، وهكذا يتعامل النظام في نيجيريا مَثَلُه مثل كثير من الأنظمة التي ابتليت بها

الشعوب الإسلامية دولياً بغير الوجه الذي يطل به على شعبه، ألا ما أحوج

المسلمين العاملين منهم على الساحة الإسلامية على وجه الخصوص اليوم أكثر من

أي وقت مضى للانتباه إلى ما يحاك ضدهم في الخفاء من أمور هي ألصق ما تكون

بمستقبل كيانهم، بل وبوجودهم، ألا يُعد عمل كهذا حراسة في سبيل الله وحفاظاً

على ممتلكات المسلمين من أن تؤول إلى أيادي المجرمين؟ ! بلى والله. إن على

المسلمين أن يَرْقَوا بأفكارهم وبتقويمهم لمكر أعدائهم، وأن يكونوا بمستوى الكمائن

والمكائد المعدة لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015