مجله البيان (صفحة 1537)

ألبانيا أدركوها قبل أن تفقدوها

المسلمون والعالم

ألبانيا

أدركوها قبل أن تفقدوها

عبد الرحمن العقيل

تقع ألبانيا في شبه جزيرة البلقان ويحدها من الشمال والشمال الشرقي

جمهورية يوغسلافيا الجديدة (صربيا - كوسفو - الجبل الأسود) ويحدها من الشرق

ماقدونيا ومن الجنوب الشرقي اليونان ومن الغرب البحر الأدرياتيكي وجزء من

البحر الأبيض المتوسط وتقدر مساحتها بـ 748ر28 كيلو متر مربع تقريباً

وعاصمتها تيرانا ويبلغ التعداد السكاني فيها 5ر3 مليون نسمة نسبة المسلمين

85% تقريباً و15% نصارى.

ويُعدُ الألبانيون من أقدم الشعوب الأوربية ويتميزون بلغة خاصة بهم لا يتكلم

بها أحد غيرهم.

وفي أواخر القرن الرابع عشر الميلادي دخل الإسلام إلى ألبانيا حيث جاء

العثمانيون وفتحوها ونشروا الإسلام في ربوعها وكان ذلك في عام 1385 م. وقد

نالت ألبانيا استقلالها في عام 1330هـ وبعد نيلها الاستقلال بدأت محنتها الجديدة

حين تسلم أنور خوجه زمام الأمور في البلاد لمدة 45 سنة هي عمر الحقبة

الشيوعية من الفترة 14/12/1336هـ وحتى 18/9/ 1412 هـ إذ بقيت ألبانيا

في عزلة عن العالم الخارجي خلال تلك الفترة وأعلن الإلحاد رسمياً وحورب الدين

فهدمت المساجد حيث لم يبق من مجموع 1700 مسجد كانت موجودة في ألبانيا

سوى 50 مسجداً حولت إلى متاحف وورش للنجارة والحدادة، وسُجن العلماء وقُتل

بعضهم ومُنع إظهار أي شعيرة من شعائر هذا الدين.

وقام أنور خوجه بربط ألبانيا بالنظام الشيوعي تحت ظل الاتحاد السوفيتي

ولكن في سنة 1380 هـ وقع خلاف عقدي بينه وبين خروشوف مما أدى إلى قطع

العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وكل الدول السائرة في فلك الروس وهكذا بقيت

ألبانيا معزولة عن العالم الخارجي، وتميز النظام الشيوعي في ألبانيا بتطرف عقدي

منع بموجبه ممارسة أي لون من ألوان الشعائر الدينية.

وابتداء من سنة 1405 هـ بدأ الغضب الشعبي يتزايد إلى أن تم إسقاط

النظام سنة 1412هـ عن طريق الانتخابات الأولى من نوعها في البلاد.

وبذلك انتقلت البلاد من الانغلاق الكامل إلى الانفتاح الكامل الأمر الذي أدى

إلى التسيب الكامل حيث تسبب في تدمير المصانع والمرافق المحدودة التي كانت

قائمة.

ونتيجة لذلك فإن ألبانيا تعيش الآن أزمة اقتصادية تحاول الحكومة الخروج

منها بأي طريقة حتى أنهم أقاموا علاقات مع إسرائيل وتبادلوا الزيارات من أجل

الحصول على بعض المعونات.

ويجرى هناك صراع سياسي عنيف بين الأحزاب يقابله استياء شعبي من كل

الساسة الذين كثرت وعودهم ولم يفوا بشيء من هذه الوعود مما جعلهم يعلقون أمالاً

كبيرة على الغرب وما يجود به من معدات قديمة وأدوية انتهت صلاحيتها للخروج

من الأزمة.

الوضع الاقتصادي لألبانيا:

إن الزائر لألبانيا لا يصدق أنه في بلد أوروبي نظرا للحالة الاقتصادية الرديئة

التي يعيشها البلد والشعب فالمواصلات غير كافية، والطرق رديئة ومتطلبات الحياة

الضرورية غير متوفرة، ولذلك تجد أن المصانع متعطلة والبطالة مرتفعة حتى أن

الماء والكهرباء في انقطاع مستمر ليلاً ونهاراً والشعب الألباني أغلبه من الطبقة

الكادحة.

ولذلك فإنهم اعتمدوا على ما يقدمه الغرب لهم وبخاصة إيطاليا فهي تمولهم

بكثير من المواد التموينية الضرورية. وبدأت تستغل مدخرات البلد الذي يُعدُ غنياً

بالمعادن التي تقع عليها أطماع الغرب.

والوضع الاقتصادي الرديء في البلد له دور سلبي نتيجة للضغوط التي

يمارسها الغرب على الحكومة من خلال المساعدات المشروطة. والحكومة تحاول

الخروج من هذه الأزمة بأية طريقة والدول الغربية حريصة على تقديم الدعم

للحكومة من أجل تسييرها في فلكها مما يشكل خطراً كبيراً على عقيدة هذا الشعب

واستقلاله وهويته وإليك مثالاً واحداً على ذلك:

لقد زار وفد من السوق الأوروبية المشتركة ألبانيا وتم الاتفاق مع وزير التعليم

على أساس توأمة كل مدارس ألبانيا مع نظيراتها في أي قطر من الأقطار الأوروبية

وتبني الصلة بين تلاميذ كل مدرسة مع نظرائهم في المدرسة الأخرى على أساس

التوأمة الفعلية.

ويلاحظ من هذا شدة رياح التنصير التدريجي للشعب الألباني من خلال التعليم

في مراحله المختلفة. فهم لم يستطيعوا اكتساح المسلمين عن طريق الكنيسة ففضلوا

الانسياب البارد بهذا الأسلوب. ولقد لاقى هذا الخبر القبول عند عدد من مديري

المدارس تحت وطأة الظروف الاقتصادية الملحة لتحسين حال المعلم والطالب.

وهذا بند من بنود الاتفاقية مع دول السوق الأوروبية المشتركة والتي لا يُعلم كثير

من تفاصيلها وخفاياها وهذا حدث في ظل غيبة الحكومات الإسلامية عن تقديم الدعم

لهذا البلد المحتاج والذي يعد كالسلعة فمن يقدم أكثر فهو الكاسب في هذا الميدان

فالبدار ... البدار.

وجمعية اتحاد المعلمين المسلمين في ألبانيا يرون ضرورة قيام عمل مسبق قبل

تنفيذ هذا القرار الذي سيبدأ في شهر صفر القادم ولا بد من الترتيب قبل بدء العام

الدراسي الجديد.

ولابد أيضاً من استغلال موافقة وزير التعليم الألباني المبدئية على إمكانية

تدريس اللغة العربية والعلوم الإسلامية في جميع المدارس إذا تم تمويل الكتاب

والمعلم من قبل من يتولى هذا الأمر فلابد من التحرك الفوري السريع الذي يجعلنا

نقف سداً منيعاً أمام هذا التيار الأوروبي النصراني.

المنظمات التنصيرية:

تعيش ألبانيا هذه الأيام حملة تنصيرية شرسة تحتاج إلى من يقف في وجهها

ويصدها حيث توجد قرابة 83 منظمة تنصيرية تمارس أعمالها بحرية تامة فلقد

وجدوا الساحة خالية أمامهم تماماً وفي ظل الفراغ الروحي والفقر المدقع والبطالة

الكبيرة دخلت الأموال الغربية والمنظمات التنصيرية التي تسترت بدعوى الإغاثة

الإنسانية ومساعدة الشعب الألباني فتدفقت هذه الجمعيات لتلقي بكل قواها محاولة

كسب أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم فقدمت تسهيلات للعمل في كثير من الدول

الغربية وقامت بطباعة الكثير من الكتب والنشرات التنصيرية ووزعت الصلبان

وعُلقت على صدور الأطفال والنساء، لذلك فهم لا يركزون على بناء الكنائس

وتشيدها بقدر حرصهم على من يدخل الكنيسة قبل بنائها، كل هذا حدث في ظل

غيبة المسلمين عن هذا البلد المسلم الذي ينتظر منا جهوداً مخلصة وجادة لإعادته

إلى الإسلام ولقد سيطروا على وسائل الإعلام سيطرة تامة وخاصة التلفاز وبدأوا

ببث البرامج التنصيرية التي تتحدث عن ما يسمونه المسيح المخلص وأيضاً قدموا

البرامج التي تضخم حجم المساعدات التي قدمتها المنظمات والدول النصرانية

وشوهوا صورة المسلمين حيث صوروهم بأنهم هم الذين استعبدوا المرأة وقيدوا

حريتها ووصفوهم بأنهم شهوانيون لا هم لهم إلا الزواج وتعدد الزوجات. وترزح

ألبانيا الآن تحت ضغط إعلامي غربي موجه حيث من السهولة التقاط القنوات

الأوربية الإباحية والتنصيرية.

ولقد تم توزيع الكثير من المنشورات التنصيرية على كل منزل بل على كل

طالب حيث قام النصارى بإهداء طلاب المدارس حقائب تحتوي على بعض

الأدوات المدرسية والنشرات التي تدعو إلى النصرانية ونسخة من الإنجيل وقدموا

الصليب لكل طالب لتغريب أبناء المسلمين.

ومن وسائلهم الماكرة التي يسممون بها أفكار الشباب إقامة الدورات لدراسة

اللغات والتي يهدفون من خلالها إلى دس السم في العسل.

ولقد قامت إحدى المنظمات التنصيرية الأمريكية بكفالة دار للأيتام في

العاصمة تيرانا فأيتام المسلمين بأيدي المنصرين ولا حول ولا قوة إلا بالله! !

وتنتظر ألبانيا هذه الأيام زيارة من بابا الفاتيكان وقد أعدت العدة لهذه الزيارة فعلقت

اللافتات والشعارات الترحيبية ووزعت النشرات بأعداد كبيرة في مختلف أنحاء

ألبانيا، والمنظمات التنصيرية تعمل ليل نهار للتمهيد والاستعداد لهذه الزيارة لأنهم

يعلمون الأثر الذي ستتركه، وسيقوم البابا بجولة في ألبانيا وزيارة المدن والقرى

وتقديم بعض المساعدات للأسر الفقيرة ناهيك عما سيقدمه للحكومة من أجل أن

تكون له يد عليها وسوف تستغل هذه الزيارة من قبل البابا والمنظمات التنصيرية

لصرف الناس عن الإسلام والإيحاء لهم بأنهم مهتمون بهم. وأعتقد أن هذه الزيارة

سيكون لها أثر سلبي على المسلمين في ألبانيا وستعزز ولاء الشعب الألباني للغرب

لأنهم خذلوا من كثير من الدول الإسلامية التي وعدت بالكثير ولكنها لم تفِ بشيء

من تلك الوعود. ولذلك لابد من تكثيف الجهود والقيام بحملة دعوية مخطط لها عبر

الجمعيات الإسلامية القائمة هناك لمواجهة هذا المد الصليبي الحاقد، ويقع على

عاتق الدعاة المخلصين جزء من المسئولية للوقوف أمام هذه التيارات التي تهدف

إلى مسخ هوية هذا الشعب.

المذاهب والتيارات الهدامة:

وبما أن الغرب الصليبي يسعى إلى انتزاع الإسلام من نفوس المسلمين فقد

عَمِدَ إلى محاولة ضرب الإسلام من الداخل فصور الإسلام على أنه دروشة وجنون

وأنه دين لا يصلح للحياة وذلك عن طريق دعم الطرق الصوفية المنتشرة هناك

والتي لديها الكثير من البدع والضلالات وقد بدأت هذه الجماعات الصوفية تغزو

فكر الناس وتصور الإسلام على أنه عبادة للأحجار وتوسل بالموتى فبنيت التكايا

والمقامات وانتشرت الزوايا في أنحاء ألبانيا المختلفة وتنتشر هناك فرقة البكداشية

ورأينا بعضاً من مواقعهم التي يتوسلون بها ولمسنا الأثر الذي تركته هذه الفرقة على

الناس حيث عادت بهم إلى الجاهلية الأولى فتوسلوا بالأموات واعتقدوا فيهم معتقدات

باطلة.

وهناك فرق منحرفة أخرى متفرقة في أنحاء ألبانيا لها مريدوها وأتباعها فتجد

التكايا والأضرحة في كل يوم تزداد رغم الفقر الذي يعيشه الشعب وهذا ناتج عن

جهلهم بدينهم فهم يصدقون مثل هذه الخزعبلات.

دور العالم الإسلامي والمسلمين:

إن العالم الإسلامي ممثلاً في حكوماته وشعوبه وهيئاته الخيرية مطالب

بالوقوف في مواجهة المد الصليبي الحاقد الذي اجتاح ألبانيا. ومطالب أيضاً بتقديم

كافة أنواع المساعدات العينية والمادية لهذا الشعب الذي تجرع مرارة الفقر

والحرمان لفترة طويلة من الزمن وهذا الشعب بحاجة إلى من يعيد إليه هويته

وكرامته ويقع هذا الأمر على عاتق الدعاة المخلصين الذين يضحون بالغالي

والنفيس في سبيل خدمة هذا الدين. إنها صرخة نوجهها إلى كل ضمير حي، إلى

كل من في قلبه غيرة على حرمات المسلمين وعلى دينهم وعقيدتهم في بقاع الأرض

قاطبة.

إلى الشعوب الإسلامية إلى الجماعات والهيئات والمؤسسات الخيرية صرخة

نطلقها علّها تحرك شيئاً في هذه القلوب فتقدم عملاً يعيد هذا الشعب إلى دينه فيكون

ذلك نصراً وعزاً للإسلام والمسلمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015