تجربة مرة طويلة - هي تجربة الاستبداد في عالمنا العربي منذ صرخة
الكواكبي في نهايات العشرينات من هذا القرن.. إنها نتاج غاية من نباتات السوء.. المحلية منها والوافدة. هل نذكر منها «النخب المخترقة» ، وأوكار الهزيمة من
الأحزاب الجاهلية أم يكفي أن نصف الأرض الخصبة الصالحة لاستنبات هذا النوع
من السلوك. نعم إن الأرض التي تغذو الاستبداد وتحتضن جذوره ليست سوى
الشعوب التي نخرتها الغفلة وعض عليها الجهل بأنياب حداد فلم تعد تفرق بين العدو
والصديق، ولا تملك الإرادة التي تمنحها الحركة وتجذّر فيها كره الزنازبن المعتمة
حيث لا رأي ولا رؤية؛ فما تلبث أن تظلها أفرع التسلط وتضللها ويدركها - من
بعد - سوط التجويع فيشغلها اللهاث وراء لقمة العيش عن كل جليل من العمل
والأمل!
إن أمة كهذه لن تنهض من عثارها إلا بجهود «أولي بقية» يصابرون الجسد
الذي استوطنته الأوبئة، ويحرثون الأرض من جديد كي يضعوا بذرة الشجرة
الطيبة ويرعوها مدركين أن زمن الثمر قد لا ينعم به إلا أحفاد الأحفاد وبعض ذلك
جهد يثقل الجبال غير أنه الإنسان الذي حمل الأمانة بعد أن عجزت عنها السماوات
والأرض.. والجبال أيضاً!