الصفحة الأخيرة
محمد بن حامد الأحمري
في زمن مضى غير بعيد كانت الإذاعات تشجب العدوان الصهيوني، وتهدد
وتتوعد لإزالة هذه الشرذمة المحتلة، وكانت الشعوب تسخر من لغة الشجب
والشكوى، ثم تتابعت النقائض، وتدهورت المواقف، وتراجع الشاجبون وحرموا
الشجب والاستنكار، بل وحرموا تلك الكلمات التي كانوا يقولونها هم؛ حتى لم يعد
يتجرأ أحد على التفوه في أية لحظة بتلك الكلمات التي كان يقولها القائلون فخراً
ونشوة. وترحمنا على الزمن الذي كنا نسميه (زمن الشجب والهزيمة) . حينما كان
يُسمح لنا فيه أن نقول: إنهم أخذوا أرضنا واستباحوا أعراضنا ودماءنا، والقرار
اليوم يقضي أن نعترف بأن لا نهاية لمطالب عدونا، وأن المنهزم لا يرده شيء
وسيقبل بكل ما يُملى عليه.
هل يمكن أن لا يكون لنا عدو؟ ! وهل تحيا الشعوب بدون أعداء؟
حتى بمنطق الذين لا يعترفون بنصوص القرآن والسنة الصريحة في عداوة
الكافرين وشدة عداء اليهود لنا فإن سنة الله في البشر وجو التدافع والصراع - وهي
حقيقة ثابتة ثبوت الليل والنهار - تكشف أن هذه الدعاية ومعنى هذا التوجه - الذي
يقول: إن اليهود والنصارى يحبوننا، ويعطفون علينا أكثر من إخواننا ليس معناه
أن نوقف المواجهة على جبهتهم، ولا أن يتجه السلاح إلى الداخل، إلى القمع
والاضطرابات، واختلاق المشكلات والقلاقل - وليس معناه أن تتحول حروب
الموساد والـ (سي. آي. إيه) إلى قلاعنا، ولا أن يجند عدونا منا عدواً للآخر،
ويتضح ذلك جيداً لمن تابع قضية المشكلة الأخلاقية في مصر مع (لوسي) وما تلاه
أحد نواب البرلمان من أن الموساد وقوى أخرى كانت وراء فتح جبهات داخلية
وإثارة الشعب للانتقام، وهذه نعمة يرفل في ظلالها الإسرائيليون ومن هم خلفهم؛
إذ ليس أحب إليهم من استمرار الرعب والقلاقل في بلادنا.
حقاً، إنها مسكينة هذه الشعوب التي يحدد أعداءها وأصدقاءها أناسٌ بالاتفاق
مع امرأة ذات علاقات مشبوهة. وكم من (لوسي) في بلدان أخرى! وكم من
كوهين وكوبلاند من الذين يصنعون القلق والانهيار والخوف واضطراب الأمن! ! .
أما آن للغافلين أن يعرفرا عدوهم من صديقهم؟ أما آن لهم أن يتركوا فرصة
للشعوب كي تئن من الألم؟ أما آن لهؤلاء أن يأذنوا لشعوبهم أن تعي وأن تقرأ وأن
تفهم حتى تكون مواقف الجميع سليمة؟ وأن تشارك الأمة في تحديد عدوها من
صديقها ولا تتراجع كل يوم الى الخلف حتى تصبح في حال لا تملك فيه مخالفة أي
قرار صهيوني في داخل بلدانها! !
أبعد الله ذلك اليوم.