الافتتاحية
رئيس التحرير
عندما بدأ الغرب مشروعه الاستعماري لإحكام السيطرة على العالم الإسلامي،
وشد أنشوطة الحبل حول عنقه - كما عبر توينبي - كان قد مهد لهذا بأخبث
الأساليب وأمكرها. وهي تغيير عقل المسلم وإزاحة الثقافة الإسلامية، ووضع
المناهج المناسبة، وتأسيس المدارس والجامعات فنشأت أجيال مهزومة من الداخل،
مهزوزة الشخصية، كانت وما زالت دماراً ووبالاً على الأمة.
جاء في مجلة (العالم الإسلامي) الفرنسية: (إن المدارس التي أنشأها ...
المبشرون في الآستانة وغيرها من البلاد العثمانية، قد كان تأثيرها في حل المسألة
الشرقية أعظم من عمل جميع سفراء الدول ومعتمديهم السياسيين) [1] ، وقال
اللورد سالسبوري: (إن مدارس المبشرين أول خطوة من خطوات الاستعمار، فهي ...
تحدث في البلاد التي تنشأ فيها انقساماً وتفريقاً بين أهلها، يفقدون بها وحدتهم، ...
فيكونون عوناً للمستعمر على أنفسهم) [2] .
إذا كان الغرب قد اتخذ التعليم والمناهج منطلقاً له في مشروعه الاستعماري،
فلماذا لا يبدأ المسلمون رحلة العودة والتجديد، ورحلة البناء والقوة من هذا المنطلق، وعندما نتكلم عن المناهج، فلا نعني المناهج المقررة في المدارس فقط، فهذه قد
يكون من الصعوبة تغييرها أحياناً، وإنما نعني المناهج العلمية التربوية بشكل عام.
فمثل هذه إذا خرجت للوجود فسوف تستفيد منها المدارس الخاصة، والأسرة
المسلمة، والمسجد والمركز الإسلامي. هذه الأعمال من البديهيات إذا أمعنا النظر
فيها، وهي لا تكلف المسلمين عناء ومشقة، إذا قيست بما يجب عليهم من الأعمال
الكبيرة، ولكننا مع الأسف لم نقم بها، لأن مرض السهولة، والبقاء في دائرة
العموميات جعلنا نستصعب مثل هذه الأمور، والأمثلة كثيرة: (السيرة النبوية،
العقيدة الإسلامية، اللغة العربية) ، هل وضعنا المناهج المناسبة للأطفال، وللناشئة، ... وللشباب، وبأسلوب بسيط وشيق، يتناسب مع أعمارهم وعقولهم وثقافتهم، أم أن
مرض السهولة جعلنا نختار أي كتاب لنقرره منهجاً، وقد يكون الكتاب جيداً ولكنه
لا يتناسب مع عمر الطفل وثقافته.
ثم نأتي إلى المدارس الإسلامية، والمعاهد التربوية، والتي عليها مدار
تخريج أجيال لا تحمل بين جوانحها أمراض التخلف والتبعية، تنشأ إنشاء على
حب هذا الدين وعلى الاستقلالية والثقة بالنفس، هذه المدارس كان لها بدايات في
منتصف هذا القرن ولكنها لم تكن قوية بالدرجة الكافية ثم عادت إلى الظهور هنا
وهناك، ولكنها ما زالت تحبو وهي في نقص كبير في المناهج والمربين، ومن
جهة أخرى فإن هذه المدارس وخاصة في أفريقيا وآسيا قليلة تغالبها مدراس التبشير
أو التي هي شبيهة بالتبشير، وإن أصقاعاً بعيدة مثل بلاد أوزبكستان وبقية تلك
الجمهوريات، لهي بأشد الحاجة إلى مدارس تعيد الأجيال إلى إسلامها، وتخرج
شباباً معافى من أمراض المجتمعات التي يعيشونها، أكثر من حاجتهم إلى أموال
توزع عليهم. وحاجتهم إلى الدعاة الذين يعلمونهم مثل حاجتهم إلى المدارس وكذلك
استثمار الأموال في الزراعة والصناعة، وقد سبقتنا (إسرائيل) إلى تلك المناطق
كما جاء في مقابلة مع (ديفيد كيمحي) حين قال: (لنا مصالح أكبر واهتمامات
أعظم في إقامة علاقات مع الجمهوريات الإسلامية، ونحن نشعر أنه بوسعنا أن نقدم
لهم المساعدة الاقتصادية) [3] ، يجب أن نبدأ بهذه الأعمال بعيداً عن التمزق
والتشنج الذي يجتاح العالم الإسلامي، وبعيداً عن المكر والإبعاد الذي يمارس على
شخصية المسلم الثقافية.
إن العمل الهادئ القوي هو إعداد المناهج وإنشاء المدارس والجامعات، ولقد
استبشرنا بإنشاء أول مدرسة ومركز إسلامي في دولة ألبانيا، الخارجة للتو من
جحيم الشيوعية، ونقول لأصحاب الهمّ الإسلامي ولأصحاب العقول التي تخطط
لمستقبل، هذه هي (السياسة العليا) .