مصطلحات وتعريفات
عثمان جمعة ضميرية
2- السلف:
* قال ابن فارس في (معجم مقاييس اللغة) [1] :
(سلف، السين واللام والفاء، أصل يدل على تقدُّم وسَبْق. من ذلك السلف، الذين مضوا، والقوم السُّلاف: المتقدمون. والسلاف: السائل من عصير العنب ...
قبل أن يعصر، والسلفة: المعجّل من الطعام قبل الغداء..)
وقال الراغب الأصفهاني في (المفردات) [2] :
(السلف: المتقدم، قال تعالى: [فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً ومَثَلاً لِّلآخِرِينَ] [الزخرف ...
56] ، أي: معتبراً متقدماً، وقال تعالى: [فَلَهُ مَا سَلَفَ] [البقرة 275] ، أي
يتجافى عما تقدم من ذنبه.. ولفلان سلَفٌ كريم: أي آباء متقدمون، جمعه أسلاف
وسلوف..) .
وقال الدامغاني في (الوجوه والنظائر لألفاظ القرآن) :
(السلف في القرآن على وجهين: فوجه منهما، السلف: العبرة ... والعظة، كقوله تعالى [فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً] [الزخرف 56] ، يعني عظة لمن يأتي بعدهم.
والوجه الثاني، السلف: ما تقدم من الزمن الأول، كقوله تعالى [وأَن
تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ] [النساء 23] ، أي: مضى من الزمن الأول) . ...
* وفي الاصطلاح الشرعي: تطلق كلمة السلف بإطلاقين أحدهما خاص
والآخر عام.
ففي الإطلاق الخاص عرَّفه كل طائفة من العلماء بحسب مذهبهم، فقال علماء
الحنفية: السلف من أبي حنيفة إلى محمد بن الحسن (189هـ) ، ويقابله الخلف: من محمد بن الحسن إلى شمس الأئمة الحلواني (448 هـ) .
ومن ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل يقول: السلف: الإمام أحمد بن
حنبل، ومَنْ تقدَّمه من الصحابة والتابعين.
وعلماء الشافعية والمالكية وعلماء الكلام، يقولون: السلف ما كان قبل
الأربعمائة، والخلف ما كان بعد الأربعمائة [3] .
* وفي الإطلاق الشرعي العام، يراد بالمسلف: كل من يُقلَّد مذهبه في الدين
ويُقْتَفى أثره فيه، كالصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين [4] .
ثم أصبح مع التطور التاريخي لظهور الفرق الإسلامية منحصراً في المدرسة
السلفية التي حافظت على العقيدة والمنهج الإسلامي طبقاً لفهم الأوائل الذين تلقَّوه
جيلاً بعد جيل، وأبرز سماتهم التمسك بمنهج النقل؛ ولهذا عرفوا في البداية بأنهم (أهل الحديث) للتمييز بينهم وبين من انسلخ عن هذا المنهج من الشيعة ... والمعتزلة والخوارج وغيرهم. كما أنهم يعرفون أيضاً بأنهم (أهل الأثر) . وهذ هـ النسبة إلى الأثر، تعني: الحديث وطلبه وأتباعه [5] .
* ومن هذه الإطلاقات لكلمة السلف نخلص إلى أن هذا اللفظ يشمل:
الصحابة والتابعين، وتابعيهم من الأئمة الذين يقتدى بهم، كالأئمة الأربعة: أبي
حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وحماد بن
سلمة، وحماد بن زيد، وابن أبي شيبة، والبخاري ومسلم، وأصحاب السنن
الأربعة.. وغيرهم من الأئمة الأجلاء الأعلام الذين شُهِد لهم بالإمامة في الدين
والورع والتقوى ظاهراً وباطناً، وتلقى الناس كلامهم بالقبول والعمل به خلفاً عن
سلف [6] دون اعتبار لزمن معين. وعندئذ يتحدد مذهب السلف بما كان عليه
الصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم من الأئمة المذكورين [7] .
* ويخرج عن السلف كل من رُمِيَ ببدعة أو اشتهر بلقبٍ غير مرضيّ من
الفرق المخالفة للسنة ولمذهب الصحابة وما كانوا عليه، مثل: الروافض،
والخوارج، والقَدَرية، والمرجئة، والجبرية، والمعتزلة، والمشبهة أو المجسِّمة
وسائر الفرق الضالة، فهؤلاء ليسوا على ما كان عليه النبي - صلى الله عليه
وسلم -، بل هم مخالفون لهم، ومخالفون لأهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة وعلمائها الذين يقتدى بهم في الدين [8] .
وكذلك: ليس من مذهب السلف - رحمهم الله - حمل الناس على اعتقادٍ لم
يعتقده الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ولا امتحان الناس بما لم
يمتحنهم الله تعالى به، والعمل على الفتنة وتفريق صفوف الأمة.
وليس من مذهب السلف - وإن ادّعاه قوم - أن يُطلِق إنسانٌ لسانه بالطعن
والشتم على الأئمة المتقدمين، ولا سيما الأئمة الأربعة، ويحط من قدرهم بنسبتهم
إلى الجهل أو الخطأ أو تعمد التغيير في الأحكام، ويستدل على مُدَّعاه بآية يأخذها
على ظاهرها دون أن يفقه معناها، أو يستدل بحديث لا يدري قول الأئمة فيه،
ويدعو الناس والعوام إلى الأخذ من القرآن أو الحديث من غير اتباع لقول أحد من
الأئمة، ويقول: هذا كتاب الله وسنة رسول الله بين أيدينا، فأي حاجة بنا إلى تقليد
فلان أو فلان، وهم رجال ونحن رجال!
هذا القول ليس بحق، أو هو حق أريد به باطل، بل هو محض باطل أراد
به صاحبه تشكيك الناس، أو الوصول إلى الشهرة بينهم، إذ ليس بوسع كل أحد أن
يأخذ أي حكم يريده من القرآن أو السنة إلا بمراجعة ما ورد من الأئمة في ذلك
الحكم، فهم أقرب عهداً بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأكثر علماً وإحاطة
بما جاء عنه، وفي الآيات والأحاديث ما هو منسوخ، وما هو مقيد، وما هو
محمول على غيره، كما هو مذكور في علم الأصول.
وليس من مذهب السلف أيضاً: تأويل القرآن الكريم بالرأي الفاسد، دون
النظر إلى ما ورد عن أئمة اللغة وما فسر به الصحابة وما ورد فيه من آيات
وأحاديث، وإلا فإنه يأخذ بعض الآيات والأحاديث، يضرب بعضها ببعض، أو
يأخذ بعض الأدلة ويترك سائرها، أو يترك المحكم من النصوص في القرآن والسنة، فيأخذ ما يتفق وعقله وينبذ ما لا يتفق معه أو لا يعرف وجهه ومعناه، أو يحمل
نصوص الشرع على وفق هواه ومذهبه الذي ينتحله باطلاً [9] .
3- أهل الحديث:
* الحديث في اللغة: ضد القديم، ويستعمل في كثير من الكلام وقليله، وهو
اسم من التحديث بمعنى الإخبار. ثم سمي كل ما صدر عن النبي - صلى الله عليه
وسلم - من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي.
وبعض العلماء يضيف إلى ذلك: ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي أو ما
صدر عنهما. وعندئذ تصبح كلمة الحديث مرادفة للخبر عند علماء الحديث. وهو
مرادف كذلك لكلمة (الأثر) عند بعض العلماء [10] .
وتقدم - فيما سبق - أن الفرق بين السنة والحديث: أن الحديث كل واقعة
نسبت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولو كان فَعَلَها مرة واحدة في حياته
الشريفة، أو رواها عنه شخص واحد.
* وأما السنة: فهي الطريقة المتواترة للعمل بالحديث بل القرآن أيضاً. فقد
ورد - مثلاً - في القرآن الكريم: الأمر بإقامة الصلاة، وبين فيه بعض تفاصيلها
أيضاً، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بموجب ذلك قال: (صلُّوا كما رأيتموني
أصلي) [11] . واستمر على تلك الكيفية وكذلك الصحابة والتابعون وسائر
المسلمين. وهكذا الأمر في الصيام والزكاة والحج وسائر الأوامر القرآنية.
فالصورة العلمية التي رسمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لألفاظ القرآن
هي السنة، وهي في الحقيقة تفسير عملي للقرآن [12] .
* فإذا تعرفنا على معنى الحديث، فإننا نستطيع أن نتعرف على: (أهل ...
الحديث) ؛ وهم الذين سلكوا طريق الصالحين واتبعوا آثار السلف من ... الماضين، وكان لهم عناية خاصة بأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: جمعاً وحفظاً ورواية وفهماً وعملاً في الظاهر والباطن، فكانوا بذلك ألزم الناس لسنن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يقدِّمون بين يديه، ولا يرفعون صوتهم فوق صوته بتقديم رأي أو هوى أو استحداث بدعة.
ومنهم: كلُّ عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص
بفضيلة، وقارئ متقن وخطيب مُحْسن، وهم الجمهور العظيم، وسبيلهم السبيل
المستقيم، لأنهم أخذوا دينهم وهديهم من الكتاب والسنة وطريق النقل، فأورثهم ذلك
اتفاقاً في الدين وائتلافاً، رغم بعد ديارهم واختلاف أزمانهم [13] .
* وكان المتقدمون يطلقون مصطلح (أهل الحديث) على المدرسة التي تقابل ...
أهل الكلام، أي مقابل علماء الكلام الذين عابهم السلف لما أدخلوا في الاعتقاد من
مصطلحات وأفكار غريبة عن المنهج الإسلامي، ولذلك اشتد النكير عليهم من
علماء السنة. وهم أنفسهم - أي علماء الكلام - كان يطلق عليهم (أهل ... الرأي) [14] . لأنهم يقدمون آراءهم على الكتاب والسنة، ويعطون عقولهم سلطة ... الحكم على النصوص الشرعية. وهؤلاء هم من أعداء السنن حقيقة كما جاء وصفهم عن عمر -رضي الله عنه-.
* ثم أصبحت كلمة (أهل الحديث) تطلق بمعنى أخص على فئة معينة ممن ...
يعنون بدراسة الحديث النبوي رواية ودراية، أو رواية فحسب، أو ممن ينتسبون
إلى هذا الأمر ويجتمعون عليه نظراً، ولو لم يكن لهم نصيب يذكر من العلم
بالحديث النبوي الشريف.
وينبغي التنبيه إلى تغير المصطلحات بمرور الأزمنة، واختلاف مدلولاتها
بين عصر وآخر عند كثير من الناس.
وإذا كان الأئمة - يرحمهم الله - يطلقون على أهل الحديث - في الماضي
- أنهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، فإن اصطلاح أهل الحديث قد ضاقت
دائرته عند الكثيرين حتى صار عَلَماً على فئات تكون من أهل الحديث، ولكنها
ليست أهل الحديث.
ولذلك لا يحسن إطلاق (الفرقة الناجية) على فئات محددة تتسمى بأهل
الحديث، وإن كانت هي - فعلاً - من أهل الحديث، بل ينبغي إعادة هذا الاصطلاح إلى مفهومه الموسع الصحيح [15] .
* وإذا لاحظنا فيما سبق أن مفهوم (أهل السنة والجماعة) يلتقي مع مفهوم ...
(السلف) ، فإن مفهوم (أهل الحديث) أو (أهل الأثر) بالمعنى الواسع لا يخرج عنهما كذلك، ولذلك لم يكن مذهب السلف أو أهل السنة مذهباً جديداً مبتدعاً، بل هو المنهج الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان، وكذلك سائر الأئمة، وإنما تميزوا - فيما بعد - بهذا اللقب أو التسمية في مقابل أهل البدع والأهواء والفرق المخالفة، ومن هنا جاء الحديث عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
فإذا لم يكن ما يدعو للمقابلة والتميز لعدم وجود ما يناهضها، يعود الحديث
عندئذ عن العقيدة الإسلامية، هكذا بعامة، والله الموفق.