الافتتاحية
رئيس التحرير
«الهندوس يهدمون المسجد البابري» ...
«الصومال والاحتلال الأمريكي» ...
«البوسنة تحترق» ...
أخبار يرتاع لها قلب المسلم وتأخذ بمجامع قلبه وعقله، وتجعله يفكر طويلاً
بهذه الأحداث، ولماذا بلغ الهوان بالمسلمين إلى هذا الحد؟ وما هي أسباب هذا
الضعف المزري؟ هل هانوا على ربهم فهانوا على أعداء الله حتى أصبحوا يسامون
الذل والخسف في كل مكان، وحتى طمح بهم عباد البقر وعباد الصليب؟
إن قيام الطائفة الهندوسية المتعصبة بهدم المسجد البابري في شمال الهند،
واحتلال الصومال من قبل (المارينز) تحت اسم المساعدات الإنسانية و (عودة
الأمل) وما يفعل في البوسنة من تدمير وتهجير وقتل وتحريق..؛ كل هذا إنما يدل
على شيء واحد وهو أن المسلمين في هذه الأزمان الأخيرة ليس لهم وزن يحسب
حسابه، ولا يكيل بمكيالهم أحد، وأنهم لا يأمرون ولا يُستأمرون، ولا يشهدون ولا
يُستشهدون.
إن ما حدث في الهند لا يقتصر على هدم المسجد البابري وبناء معبد هندوسي
مكانه، بل إن الأمر يتعدى ذلك، إنها بداية لطمس الهوية الإسلامية وبداية
(للتطهير الديني) كما يفعل إخوانهم الصرب، فهؤلاء الهندوس قد أكل الحقد أكبادهم
من يوم أن فتح بلادهم المجاهد الكبير محمود الغزنوي واستمر حكم المسلمين لهم
عدة قرون، حتى جاء الاستعمار الإنكليزي وساعد الهندوس على إزاحة المسلمين
عن الحكم، هؤلاء الهنادكة استضعفوا المسلمين عندما رأوهم كالأيتام على مائدة
اللئام، فهم يذبحون في البوسنة ولا من مغيث يمنع عدوان الصرب عنهم
ومشروعهم لهدم المسجد قديم ولكنهم تجرأوا في هذه الأيام.
وإن مجيء أمريكا باسم الإغاثة إن هو إلا احتلال مبطن للصومال والهيمنة
على القرن الأفريقي وإقامة دولة علمانية في الصومال، بل إن أهدافها لتشمل
المنطقة العربية والإسلامية بأسرها. وقد استنكر بعض الساسة وبعض الصحف -
ولو ظاهرياً - هذا الأسلوب المفضوح من استخدام الإغاثة وسيلة للاحتلال.
لا نريد أن نضع اللوم كله على أعداء الإسلام ونترك أنفسنا، فبرغم تعصب
الهندوس إلا أن اللوم الأكبر يقع على عاتق المسلمين هناك، وهم ليسوا في قلة من
العدد، فلماذا لم يأخذوا بأسباب القوة المادية والمعنوية، وأولها: بث الوعي الديني
بين صفوف عامة المسلمين، والبعد بهم عن الخرافات والبدع، وإحياء الشخصية
الإسلامية المتميزة، والترقي بالعلم النافع الذي يزيدهم قوة إضافة إلى قوة الإسلام
الذاتية. وما أحرى مسلمي الهند بقول الشاعر العربي:
لا أتقي حسك الضغائن بالرُّقَى ... فعلَ الذليل ولو بقيتُ وحيداً
لكن أجردُ للضغائن مثلَها ... حتى تموتَ وللحُقودِ حقودا
إن ما جرى ويجري في الهند والبوسنة وغيرها من بلاد المسلمين إن هو إلا
نتيجة الابتعاد عن الله، وعن معرفة سننه في الاجتماع البشري، وسننه في التغيير
والارتقاء وفي الصراع والتمكين في الأرض، وأن الحق لا بد له من قوة تحميه
حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى لا تكون يد المسلم دائماً هي السفلى.
ومن أعظم سننه في الصراع أن يتخلص المسلمون من الاستبداد الذي جثم
على صدورهم أحقاباً فأضاع شخصيتهم، وأضاع علمهم وثروتهم وأخلاقهم.
ومن أسباب التغيير الدعوة إلى الوحدة والائتلاف الذي يعد من أعظم نعم الله
[واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا] [آل عمران 103] وإن من أشد الأضرار على المسلمين تفرقهم واختلافهم على
النقير والقطمير، وما ذلك إلا دليل على عدم إحاطتهم بمقاصد الإسلام، وعلى
ضعف عقولهم ومعرفة قاعدة المصالح والمفاسد.
وما يقع الآن في أفغانستان هو مصداق لأضرار التفرق بين فصائل المجاهدين
الذين استعان بعضهم بالمرتزقة والأحزاب الباطنية لقتال إخوانهم وصدهم عن
المشاركة في حكم أفغانستان حكماً إسلامياً، ودارت الدائرة فإذا بهؤلاء المرتزقة
يقاتلون الذين استعانوا بهم، فهم كما قال الشاعر:
ومن يجعل الضرغام بازاً لصيده ... تصيده الضرغام فيما تصيدا
إن الأمم لا تستيقظ إلا بقيام نفر منها يدعونها إلى الوحدة والاعتصام بالعروة
الوثقى، وينفخون فيها روح العزيمة، ويصلحون منها ما أفسدته روح التخلف،
وما أفسده تجار الدين والمفتونون بالدنيا.
إن ما جرى ويجري في ديار المسلمين إنما يدل على أنه ما لم تقم للمسلمين
دولة تحميهم وتدافع عنهم، وتطالب بحقوقهم، فسيبقون مستضعفين في الأرض.
ولعلّ هذه التحديات الكبيرة التي تواجههم في هذه الأيام تكون باعثاً على استنهاض
الهمم واستنفار الطاقات وتفهم ما يدور حولهم. فإن سنة الله في الصراع بين الأمم
من سنن الله الكونية، وقد يُبتلى المسلمون بالهنادكة وأمثالهم حتى يخرجوا عن
ضعفهم وركودهم وشتاتهم. وإن أزمة المسلمين أكبر من أن تحل بحماسة مؤقتة،
إن الأمر جد لا لهو فيه، وإلا فهو الذبح.