خواطر في الدعوة
محمد العبدة
جاءتني رسالة من طلبة مسلمين يدرسون في أقصى المشرق، يقولون فيها
أنهم متحيرون بما تعج به الساحة الإسلامية من القيل والقال عن فلان الداعية أو
الجماعة الفلانية، فنسمع من القدح ما يصل إلى درجة التضليل والانحراف،
والأسماء كثيرة ومتنوعة، ونحن نبحث عن الحق وعن المنهج الذي يجب على
المسلم الالتزام به تجاه ما يدور حوله.
إن تساؤلات هؤلاء الإخوة ليست قاصرة عليهم، بل ربما سمع كثير من
الشباب المسلم بمثل ما سمعوا، ووقفوا متحيرين متسائلين عن وجه الحق في غمرة
هذا التفرق والتشرذم، ونحن نعذر بعض العذر هؤلاء الإخوة لكثرة ما يقال ويكتب
في أمور تشوش الذهن وتكدر الخاطر، وليس فيها مصلحة للدعوة. ونقول بعض
العذر لأن المسلم المتعلم أمثالهم يجب أن يملك الميزان لمعرفة واقع الدعوات والدعاة، ومن أَوْلى الموازين في ذلك قوله تعالى: [ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ] وكثير
مما يقال هو بالتأكيد أقوال بلا علم، أغلبها روايات تنشر تعتمد على الحزبية،
والقراءات ضعيفة والتحقيق يتعبهم، وعندئذ يلقى القول على عواهنه.
ومن الموازين أن منهج أهل السنة والجماعة - وهم خير القرون - هو
الأصل في هذا، ومنهجهم في الفهم والاستدلال من الكتاب والسنة، وكل من كان
أقرب إلى هذا المنهج فهو الأقرب إلى الحق، ويجب على المسلم مؤازرته
ومناصحته، وهذا المنهج ليس كلمة تقال في المحافل بل تطبيق علمي وعملي
لقواعده، واحترام لعلمائه ودعاته، ومن تطبيقات هذا المنهج الإنصاف في الحكم
ولو على الأعداء وعدم الخوض في أعراض المسلمين إلا أن يكون داعي بدعة أو
ضلالة. والفرق المنحرفة لا تملك هذه الأخلاق، فتراهم يَدَعون أهل الجَوْر والفسق
والفجور، ويلاحقون الدعاة بالنقد والتجريح، وهذه طريقة الخوارج بعينها كما
وصفوا بأنهم يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإيمان.
ومن الموازين أن أصحاب المنهج السليم يهيئ الله لهم القبول في الأرض،
فتكون طريقتهم مرضية، ويوفقون في مسائل العلم التي يطرحونها، وفي عرض
الإسلام للناس ودعوتهم إليه، وأهل البدع ليسوا كذلك، وهذا مما يزيدهم حنقاً
وحقداً فتكثر اتهاماتهم ويكثر لغطهم، ويكون هذا من الابتلاء وزيادة الأجر لمن
يتكلم فيه الناس، وشيء آخر وهو أن الأمور بخواتيمها، ومن ثمراتهم تعرفونهم،
فانظر أيها السائل في الساحة الإسلامية؛ من الذي يقدم العطاء؟ ومَنْ الذي لا يقدم، وقد قال السلف: إذا رأيتم من يذكر الإمام مالك بسوء فاعلموا أنه مبتدع.