عزيزة بنت عبد الرحمن النصار
كان مشهداً رائعاً من مشاهد الشتاء، فالسماء ملبدة بالغيوم، ووابل المطر
يرسم على لوحة الأرض جداول تتدفق في أنهار المدينة، وحفيف الأشجار يملأ
الكون بترانيم عذبة، آه..!! ما أروعك من مشهد! ! .. قالها - باسل - وهو
يتنهد من فرط الحزن، فقد نكأ ذلك المشهد - جرحاً قد اندمل منذ مدة - رضاء
بقضاء الله وقدره.
ثم تابع يقول: رباه! ! أَوَ أُحرم أن أرى مثل هذا المشهد في قدسي؟ في
خليلي؟ في منبع طفولتي، ومهد أدراجي؟ إنَّ لهيب الشوق يتأجج فيَّ، كلما
طويت شريط ذكرياتي، لأنعش ذاكرتي بمنظر سماء أرضي الصافية، وأرضها
التي كساها المطر حُلة خضراء وأشجارها المصطفة على جوانب الطرقات، وعلى
سفوح الجبال والهضاب، كم تاقت مسامعي لسماع حفيفها عند هبوب الرياح، وشمَّ
رائحتها مع نسيم الصباح، والجلوس تحت ظلها بعد العناء.
توقف قليلاً ثم أردف يقول: رباه! ! دخان التشرد يخنقني، ومعول الغربة
يقصمني، رباه إ! إلى متى سأظل هكذا؟ ! مدحوراً عني وطني؟ منبوذاً عن
أرضي؟ بعيداً عن أهلي؟ تلاحقني الويلات في كل مكان، وتعاودني الأنات في
زمن الأحزان.
تعالت على وجهه علامات الثورة والغضب؛ حين قال: إن إسلامي في
أرضي يختفي - رويداً وريداً - خلف أستار العذاب والتشرد والضياع، فيخرج
على مسرح بلادي أحفاد القردة والخنازير، ليمثلوا دور البائس الفقير، الذي لا
يملك المأوى وما له من ظهير، فيثيرون بمكرهم وخداعهم قلوب أناس مغفلين..
بيد أني أنتظر اليوم الذي ترفع فيه الراية على تلال فلسطين، فنعيد ذكرى
حطين، ونكون - فعلاً - أحفاداً لعمر وصلاح الدين.
فلسطين: إن حروفك تملأ الكون بصداها، فيسمعها الكون كله؛ لكن! !
.. لا مجيب.