مجله البيان (صفحة 1277)

التوجيه الإسلامى الشامل

التوجيه الإسلامي الشامل

محمد محمد بدري

أصبح الإعلام من أقوى (الأسلحة) التي تحرص الأمم على امتلاكها.

وتتسابق في ميدانها ووُظِّفَت دراسات علم النفس وعلم الاجتماع وغيرهما من العلوم

في خدمة الإعلام، حتى أصبح قادراً على (صناعة) اهتمامات الفرد، و (صياغة)

أفكاره، و (تغيير) سلوكه بما يتفق مع التغيير الاجتماعي المنشود.

ولقد قطع الإعلام الجاهلي المعاصر خطوات كبيرة نحو (الإنسان) المسلم حتى

أوقعه في أسره.. وكانت الخطوة التالية لـ (الأسر) هي محاولة دفع هذا المسلم في

طريق التنكر للإسلام عقيدةً وشريعةً وسلوكاً وحضارة! ! وقد توسل الإعلام

الجاهلي لذلك بوسائل كثيرة:

فأما حقائق الإسلام، فقد كانت طريقته في عرضها هي (العرض اللاهوتي)

أو التراثي المتخفي، حتى أصبح أكثر المسلمين لا يفهم من كلمة الإسلام إلا ما

يفهمه الأوربي من كلمة Religion إذا ذكرت أمامه، فلا يزيد الإسلام في حسه

عن بضعة طقوس وشعائر لا علاقة لها بشأن من شئون الحياة! !

وأما الأفكار التي يقوم بنشرها، فلا تجد بينها غذاءً فكرياً جيداً، بل أكثرها

من نوعية الأفكار التي يمكن أن نطلق عليها (العَلَف الفكري) ، فهي أفكار «تدعو

الفرد المسلم، إمّا إلى الانصراف إلى قضاياه اليومية الخاصة التي تدور حول الغذاء

والكساء والمأوى، وإما إلى الاغتراب الحضاري والجغرافي، والهجرة إلى خارج

الوطن الأم والانضمام - بإعجاب وولاء - إلى المجتمعات (الاستعمارية) .. وإما

إلى الانحلال الاجتماعي والانحراف والانغماس في تيار الجنوح والانحراف» [1] .

وأما الأخلاق التي ينشرها الإعلام الجاهلي فهي أخلاق (الفضائح الاجتماعية) ، «فمن إدمان للخمر، إلى نوادي القمار، إلى دور البغاء العلني والسري، إلى

الخلاعة على شواطئ البحار والأنهار وأحواض السباحة والاستعراضات الرياضية

المختلطة، إلى تسهيل الإغراءات في الملابس وتشجيع دورها ومحلاتها وصحفها

وحفلات عرضها.. إلى آخر تلك الفضائح الأخلاقية التي قتلت الرجولة والشهامة

والمروءة والاستقامة وروح الجهاد والكفاح في الحياة لدى الأجيال المسلمة..» [2] .

وأما في نطاق قدرة الفرد على التغيير ومجابهة التحديات، فقد أكد هذا الإعلام

على ترسيخ اعتقاد المسلم بأنه غير قادر على فعل أي شيء في مواجهة الواقع،

وأن الاستسلام لما هو كائن هو (التصرف الواقعي) !

ولا شك أن العمل الإسلامي لا يملك في مواجهة هذا الإعلام إلا سلاح الدعوة

والبيان، ولكن شمول الخلل الذي أحدثه الإعلام الجاهلي في الأمة يحتم على العمل

الإسلامي أمرين:

الأول: «لم يعد يكفي الاعتماد على الجانب العقدي وحده أو التشريعي وحده

أو السلوكي وحده، لمجابهة الأزمات الحضارية والانتكاسات الفردية والاجتماعية

التي يمر بها المجتمع الإسلامي. بل لا بد أن تمشي الخطوط الثلاثة متكاملة

متوازنة متعانقة لمعالجة السقوط العقائدي والاجتماعي والأخلاقي فيه، تمهيداً

لإحداث التغيير الإسلامي المنتظر» [3] ، وهذا يعني أن يكون (الخطاب

الإسلامي) [4] خطاباً شاملاً، يكشف الحق الملتبس، ويبينه للأمة في صورة بلاغ

مبين، ثم ينتقل بالدعوة من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البرامج، فيقدم (المشروع

الحضاري الإسلامي) الذي يكون بديلاً للمشروع العلماني.

الثاني: لا بد من تجنب الإسراف في استخدام الكلمة والبيان، بحيث لا تكون

الكلمة مجرد صورة بيانية ترف في الهواء، أو مجرد كمية من المداد على صفحة

من الورق، بل لا بد أن تكون الكلمة (فعالة) تبث أفكاراً لها كثافة الواقع ووزنه،

بما تدفع إليه من نشاط وحركة في طريق التغيير [5] .

وأما في موضوع الأخلاق والقيم، فإن التوجيه الإسلامي لا يقدمها كعدد من

الفضائل المبعثرة، كل على حدة، كالصدق والأمانة والعفة والوفاء.. الخ.. إنما

يقدمها كما هي على الحقيقة «نظام متكامل لحياة شاملة، نظام يوجه ويضبط كل

النشاط الإنساني في شتى جوانب الحياة،.. فالصدق خلق، ومثله الجهاد في سبيل

الله لتحرير البشر من العبودية لسواه. والأمانة خلق، ومثلها عمارة الأرض وتنمية

الحياة وترقيتها في حدود ما شرع الله، ابتغاء رضوان الله، والعفة خلق، ومثلها

تطهير عقول الناس من الوهم والخرافة والضلال، والوفاء خلق، ومثله القيام على

حدود الله، والإيجابية وعدم السلبية في حياة الجماعة ... » [6] .

وهكذا.. لا يهتم التوجيه الإسلامي بالأخلاق من الناحية الفلسفية، بل من

الناحية الاجتماعية، ومدى مساهمة الخلق في إيجاد (قوة التماسك) اللازمة في أمة

تريد إقامة حضارة على أساس من الإسلام الحق.. الإسلام المتحرك في العقول،

والسلوك، والمنبعث في صورة (إسلام اجتماعي) .

وأما الأفكار، فإن التوجيه الإسلامي الشامل يركز على أن فقدان (الرسالة)

التي قامت عليها الأمة، وضياع (الغاية) التي بُعِثت من أجلها يؤديان إلى انهيار

الأمة وهلاكها «وأن أمانة (الرسالة) تفرض على المسلمين أن يكون كل منهم على

ثغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبله، وأما القاعدون من المسلمين الذين يظنون

أنهم بأخلاقهم وصلاتهم وصيامهم يؤدون واجبهم تجاه أمتهم ويحملون رسالتها،

فليعلموا أنه لا يصلح لهذا الدين إلا من أحاطه من جميع جوانبه، وأنه لن ينتصر

آخر هذه الأمة إلا بما انتصر به أولها أي بالإيمان والجهاد والتضحية والثبات» [7] .

وأما قدرة الفرد على التغيير، فإن التوجيه الإسلامي الشامل يقوم على تعميق

الإحساس بضرورة التغيير مع بث الثقة في أفراد الأمة وقدراتهم وإمكاناتهم التي

تؤهلهم لحمل مسئولية التغيير، وذلك عبر إشعار جماهير الأمة بالوضع السيئ الذي

تعيشه أمتهم، وإثارة تطلعاتهم إلى تغيير الواقع الذي يستهدف حريتهم، وحضارتهم، بل ولقمة عيشهم! ! ومن ثم حشد طاقات جماهير الأمة جميعاً لتصب في حركة

تغييرية تسير بصورة تدريجية وتصاعدية حتى تبلغ ذروة أهدافها بإخراج جماهير

الأمة من العبودية التي تؤلمها وتحز في صدورها، إلى الحرية التي لا تتحقق في

ظل منهج من المناهج كما تتحقق في ظل الإسلام.

وهكذا هو التوجيه الإسلامي الشامل.. يطرح الإسلام كمعادلة فكرية وسياسية

واقتصادية وأخلاقية، وذلك في مواجهة المعادلة العلمانية التي تريد إبعاد الأمة

الإسلامية عن خط الإسلام لتقربها إلى خط الكفر!

إن الكثير من المسلمين يبحثون عن الطريق إلى الخروج من التبعية الذليلة،

ومن هنا فلا بد أن يقدّم لهم التوجيه الإسلامي البديل النظري والواقعي للخروج من

هذه التبعية، ويزيل من أنفسهم أسباب العجز والتخلف، ويبعث فيها روح الأمل

والثقة في القدرة على التغيير والخروج من التبعية إلى الريادة.

إن في الأمة الإسلامية «طاقات وقوى لم تستخدم، لأننا لا نعرف كيف نكتلها، وهناك ملايين من السواعد والعقول المفكرة صالحة لأن تشارك في التغيير،

والمهم هو أن نعرف كيف ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد

والعقول» [8] لإحداث التغيير المنشود. ولا شك أنه لا سبيل لنا إلى ذلك إلا

بالتوجيه الإسلامي الذي ينشر الفكرة الإسلامية بين أفراد الأمة، وبقدر شمولية هذه

الفكرة سيكون اكتساحها للأفكار الجاهلية المثبطة للعزائم.. وبقدر فعالية الأمة في

حمل هذه الفكرة ستكون وقفتها القوية في وجه أعدائها، وسيكون التغيير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015