مجله البيان (صفحة 1236)

أيام فى أوزبكستان

أيام في أزبكستان

محمد عبد الغفور

عندما حزمنا حقائبنا للسفر إلى أزبكستان، كان ذلك بدافع حبنا لذلك الشعب

ولاستطلاع أحوال إخوان لنا هناك عتقوا من ربقة الشيوعية البغيضة، بعد ما

يقرب من سبعة عقود قضوها بالذل والمهانة، وبحرمانهم من أبسط حقوقهم المادية

والإنسانية.

ومن خلال رؤيتنا لتلك البلاد في الطائرة، بدت وكأنها بساط أخضر موزع

بشكل منظم إلى مزارع وإقطاعات. تتخللها الأنهار والقنوات. بلاد شاسعة خصيبة

تفصلها بعض السلاسل الجبلية المغطاة بالثلوج. وعلمنا فيما بعد بأنها من أغنى

الجمهوريات بالزراعة وخاصة القطن والفاكهة.

مساحة البلاد تقدر بـ 450. 000 كم2، يحدها من الجنوب أفغانستان ومن

الشرق طاجكستان، ومن الجنوب الغربى تركمنستان ومن الشمال كازخستان،

سكانها (23) مليون. ونسبة المسلمين السنة 90%، وقد دخل الإسلام تلك البلاد

في خلافة عثمان - رضي الله عنه - وكان في مقدمة الجيش الذي غزا تلك البلاد

والأحنف بن قيس - رضي الله عنه -، وفي عام 88 هـ استقر الإسلام هناك

بقيادة: قتيبة بن مسلم الباهلي.

عندما حطت بنا الطائرة في مطار (طشقند) عاصمة البلاد، بدا واضحاً ما

خلفه النظام البائد من تخلف مادي وحضاري. وصدق أحد الإخوة عندما كان

يحدثهم فقال: إن كان الغرب قد دمَّر الأخلاق والدين فإنه عمَّر الدنيا ووصل

برفاهية الإنسان إلى ما وصل، على عكس الشيوعية التي: خربت الدين والدنيا.

طشقند المدينة العريقة:

أهم المدن طشقند التي يزيد عدد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة وتقع على

رافد لنهر سيحون بالقرب من حدود كازاخستان وتمتد خلف المرتفعات الجبلية

الالتوائية. ولها أهمية تاريخية كمركز للثقافة الإسلامية، فضلاً عن أنها ظلت لفترة

طويلة خلال العصور الوسطى محطة على طريق التجارة بين الصين والعالم

الغربي.

وفيها أماكن تاريخية إسلامية.. ومناظر طبيعية جميلة، ولاحظت بأن

المناطق القديمة تشبه إلى حد كبير المدن الإسلامية الأصيلة، كمدينة دمشق بأزقتها

ودروبها وحاراتها مع اختلاف في الطراز المعماري الذي يتناسب وطبيعة كل بلد

ومناخها. فهناك كثير من المعالم المهمة القديمة كالمعاهد والمدارس التي شيدت

بطريقة المباني العريقة في بلاد الشام والعراق. فمثلاً الصحن الداخلي والنافورة

والحديقة وحولها الغرف وفي صدرها المسجد ومن الأمام المدخل الرئيسي.

وفوجئنا بوجود العشرات من الطلبة والطالبات الذين يتلقون العلم بشغف

واهتمام شديدين، ومنهم أخ شرع بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأزبكية

ولم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره. ومن خلال أسئلتي له عن بعض المعاني

تبين لي مدى تفهمه للآيات، وقد ربي هذا الشاب وأمثاله على يد بعض العلماء

وعلى نظام الحجرات [1] . وأيضاً فقد حفظ الله دينه في صدور الكثير منهم

بواسطة الحكومة الملحدة، حيث انشأت معهد الاستشراق لدراسة العلوم الإسلامية

والعربية. واستفاد الكثير من هذا، مثلهم كمثل موسى -عليه السلام- ربي في

حجر فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً.

صلاة الجمعة في مسجد (تخت باي)

يقع هذا المسجد في المدينة القديمة وطرازه المعماري فريد ورائع، ويتسع

لحوالي (2000) مصل، وأثناء الصلاة تمتلئ الساحات والأزقة حول المسجد وجلّ

الحضور من الشباب ولله الحمد وهذا ما أثلج صدورنا.

يبدأ القوم بالتوافد على المسجد قبل الصلاة بأكثر من ساعتين، ويجلسون

للقراءة ريثما يأتي الشيخ /عابد/ ولكل مسمىً من اسمه نصيب، فسمة الصلاح

والتقوى واضحة على الرجل ذي الأربعين عاماً وهو بحق علم من أعلام تلك البلاد

في العلم والأدب. وقف قبل الصلاة بساعة يلقي درساً يفسر فيه أوائل سورة

الصافات من كتاب /في ظلال القرآن/. والناس متفاعلون كأن على رؤوسهم الطير

ولو أننا لا نفهم ما يقول إلا قليلاً، ولكن يبدو على المصلين أثر الكلمات ووقعها

عليهم. فعندما يمر على موقف أو يذكر بحادثة من التاريخ الإسلامي المجيد يكبرون

حتى ترتج جنبات المسجد. ويبدو أن الرجل متفهم لواقعه مدرك لما يدور حوله،

ففي نهاية الدرس كان معه أقصوصات من الجرائد المحلية يفندها ويرد الشبه فيها.

وبعد انتهاء الدرس جاء دور الأسئلة فأجاب عنها أحد الإخوة ممن كان معنا والخطبة

بعدها باللغة العربية لا تتجاوز الثلاث دقائق فقط. وبعد الانتهاء من الصلاة تحلق

القوم حولنا، والكل يريد أن يصافح ويعانق بصفة أننا عرب مسلمون قدمنا من مهد

الإسلام. ويعتبر الشاب الذي يحظى بالسلام علينا قد أحرز سبقاً عظيماً وحظي

بشيء ثمين، ويجب أن يهدي لنا أي شيء معه أو أي خدمة يسديها لنا. ويا ليت

قومي يعلمون كيف يعامل المسلم في بعض بلاد الإسلام العربية التي ينظر إليه فيها

نظرة اشمئزاز ودونية. ولا يدرون بأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى

وبأن أكرمهم عند الله أتقاهم، وبأن الغنى غنى النفس وبأن المال والدولار والبترول

لا يرفع الوضيع كما أن فقدها لا يحط من قدر الكريم.

الأزبك من أكرم الناس

الأزبك كرماء جداً ويحبون الضيف. فما إن يدخل البيت يوضع الطعام أو

بالأحرى يكون موضوعاً على الطاولة في كل الأوقات، ولا يدعون شيئاً عندهم إلا

يضعونه أمام الضيف (المكسرات - الزبيب - الحلوى - المرق - الأرز البخاري

- الفاكهة ... ) . وعلى العموم فهم شعب كريم السجايا محب للخير. مضياف،

فخور بإسلامه، قوي الشكيمة.

وقد زرنا الشيخ /محمد خان / في مزرعته في إحدى ضواحي طشقند، وبعد

انتهائنا من الزيارة والغداء حمل كيس من الرز ليضعه في السيارة وأتى بحلوى

وعسل ليهدينا وبدا لنا أنه لو يستطيع إعطائنا كل شيء لفعل وهو متأثر ويذرف

الدموع. ورددنا طلبه برفق وأخذنا منه حمالات للمصاحف وأهديناه بعض

المصاحف.

إلى قوقاند

انطقنا إلى تلك المدينة التي تبعد عن العاصمة حوالي (300) كم عبر طريق

جبلي وعر وخطير وجميل جداً، يحاذينا نهر كبير يتدفق في وديان تلك السلسلة

الجبلية ليتجمع في الأسفل مشكلاً بحيرة طولها (20) كم. حتى وصلنا إلى ذروة

الجبال وكانت بارتفاع ثلاثة آلاف متر. وبعدها وصلنا إلى المدينة التي بدت لنا

أكثر محافظة من طشقند حيث الهوية الإسلامية واضحة على معالمها، وعلى سكانها.

المدرسة الكمالية

ذهبنا صباحاً مع الأخ صادق قارئ - وهو من حفظة كتاب الله ومن علماء

ذلك البلد مع صغر سنه - لزيارة المدرسة الكمالية وكانت هذه المدرسة معسكراً

للكشافة الشيوعيين واشتراها الإخوة منذ ثلاث سنوات بما يعدل ثلاثة الآف دولار

مع العلم بأن مساحتها حوالي 5000م2 وأدخلوا عليها بعض التحسينات. وتستوعب

حالياً (200) طالب بمختلف المراحل الابتدائية والإعدادية يدرسون علوم الشريعة

والعقيدة على منهاج أهل السنة، وفيها جناح للمنامة، وفيها مطعم كبير مستدير قد

حولوا جزء منه إلى مسجد مؤقت ريثما يتمكنوا من بناء مسجد في صدر المدرسة

وقد هيئوا له بعض مواد البناء. المدرسة أشبه بحديقة كبيرة فيها الأشجار المثمرة

وتحتاج إلي مساعدة لا بأس بها لزيادة سعتها للطلاب. وعدة طلاب طلبوا منا

الالتحاق بمعاهد عربية لإتمام تعليمهم العالي.

أخذنا الشيخ صادق إلى مدرسة أخرى سيكون هو مديرها قريباً عند تجهيزها

وفور إعدادها لاستقبال الطلاب. وهي أرض كبيرة كثيفة الأشجار فيها بعض

المباني ومسبح وصالات رياضية وقد كانت أيضاً معسكراً للشبيبة الشيوعيين

واشتراها الأخ بمبلغ 1. 550. 000 روبل ما يعادل عشرة آلاف دولار منذ عدة

شهور.

المسجد الكبير

أدينا صلاة الظهر في المسجد الكبير في المدينة وهو مسجد رائع التصميم قد

أنشئ في عام 1830 م على الطراز الهندي بأعمدته الخشبية المزخرفة الجميلة

وبساحته الواسعة المزدانة بالأشجار الكبيرة وبأجنحته الصيفية والشتوية وبغرفه

الكثيرة المتعددة النشاطات ويتسع لحوالي خمسة آلاف مصل.

وقد ألقيت فيهم موعظة على هيئة خطبة وكان يترجمها الشيخ محمد رجب

إمام المسجد، فكان ينقل الفكرة بأمانة واستيعاب، لاحظت هذا من خلال تأثر

المصلين وردود فعلهم وتكبيرهم. ومن جملة ما قلت لهم: إن آباءكم وسلفكم

الصالح قد حفظ الله بهم دينه في يوم من الأيام وقد خدموا هذا الإسلام العظيم ردحاً

من الزمن، فالبخاري والترمذي ومسلم وكبار علمائنا من هذه البلاد، فكونوا خير

خلف لخير سلف بعد أن منّ الله عليكم بانعتاقكم من ربقة الحكم الجائر الملحد الكافر

الذي قال عنه نبيهم لينين: سيأتي العام الألف الذي تحتفل فيه الأجيال بميلاد

الشيوعية؛ والحمد لله لم يأت العام الثمانون على نكبة الدين والدنيا (الشيوعية) .

وكنت قد سمعت عن أخبار تعصبهم المذهبي، فركزت في الكلمة على هذه

الناحية، فالمعركة يجب أن تكون مع أعداء الله وأولياء الشيطان، لا بين المسلمين

فكلنا إخوة فمن يجهر بآمين أو يسر بها، من يرفع يديه أو يخفضها، من يحرك

إصبعه أو يثبتها، كلنا إخوة وعلينا أن لا نترك المجال لأولئك الذين يحاولون أن

يبثوا الفرقة فيكم من خلال هذه الجزئيات التي ينفذون من خلالها ( ... ) والحمد لله

كان لهذه الكلمة أثر طيب في نفوسهم وطلبوا منا أن نزورهم باستمرار.

الشيخ تاج الدين:

تعرفنا على هذا الأخ الفاضل في العاصمة من خلال المسجد، يجيد اللغة

العربية ويعمل ليل نهار في الدعوة وتربية الشباب التربية الصحيحة وعلى مذهب

أهل السنة، ويطلق عليهم - شباب أهل السنة - ويقوم حالياً بترجمة معاني القرآن

الكريم إلى الأزبكية، والمشكلة عنده أنه يقابل التعصب المذهبي عند الآخرين

بتطرف في تطبيق السنة كأن يمسك بأعقاب أرجل المصلين لتسويتها للصلاة.

وطبعاً حاولنا إقناعه بعدم التشدد وبأن يفتح صدره للآخرين وليكون أسوة حسنة

ومثالاً يحتذى، ويصف دائرة الإفتاء بالطواغيت مع أنه يوجد بعض الخيرين فيها،

ورتبنا معه رحلة إلى الجبل علنا نستطيع أن نتغلب على بعض التصرفات التي

عنده لأنه يحتك بالشباب عن قرب، استأجرنا باصاً كبيراً وركب فيه سبعون شاباً

وركبنا مع أخينا أبي عبد الله ميممين شطر الجبل والنهر. وكان هناك ولله الحمد

برنامج للموعظة وللعلم وللرياضة وللسباحة وللمسابقات وتوزيع جوائز الفائزين،

وطبعاً الطعام (الرز البخاري) وكان يوماً لا ينسى والحمد لله. وكان لهذه الرحلة

أطيب الأثر في نفوسهم، فحين ودعناهم ذرفت دموعهم وتعلقوا بنا ووعدونا بألا

نأتي في المرة القادمة إلا وقد تعلموا اللغة العربية، حيث ركزنا في حديثنا على

أهمية تعلم اللغة لفهم كتاب الله وهذا في الحقيقة يجب أن يكون من أولويات الدعاة

هناك.

ترجمة القران:

* هناك بعض الجهود المشكورة في هذه المضمار، دكتور سوري مع زوجته

الروسية بدؤوا بمشروع جيد وهو الترجمة وقد انتهيا من ترجمة عشرين جزءاً وقد

جمع بعض المال من الإمارات لهذا المشروع. مع العلم أن الناس هناك بحاجة إلى

ترجمة كتب عن العقيدة، وعن طبيعة المذاهب، وعن حرمة الخمور والخنزير

ومضارها، وعن مؤامرات اليهود وعن زيف بعض الفرق الضالة.

* هناك جهد كبير يقوم به /حزب النهضة/ الذي يمتد إلى جميع الجمهوريات

وإلى روسيا نفسها ولكن البعض ينكر عليهم اهتمامهم بالتجميع قبل التعليم

وباستعجالهم لقطف الثمرة كما هو واقع الجماعات عندنا وبأنهم يستنفذون طاقاتهم

بالأمور الحزبية وهذا مثاله ما حدث في طاجكستان. وعندما التقينا مع الأخ /عبد

الله جان/ سكرتير حزب النهضة نفى هذا وهو مستبشر كثيراً حتى في طاجكستان

وقال بأنهم قتلوا كثيراً من الشيوعيين. وعلى العموم يجب أن تنصب الجهود على

شيء واحد هناك ألا وهو محاربة الجهل فهو العدو الأكبر للمسلمين من إنشاء

للمدارس وإرسال للدعاة وترجمة الكتب فالأرض خصبة والناس متعطشون للإسلام.

دور تركيا:

* تقوم تركيا بلعب دور خطير جداً في تلك البلاد ويبدو أنها في مهمة من

قطب النظام العالمي الجديد لتقطع الطريق - على حد زعمهم - على الأصولية

القادمة من أفغانستان والبلاد الأخرى. فالرئيس الحالي /كريموف/ يدعي على

التلفاز بأنه سيطبق الإسلام على طريقة/مصطفى أتاتورك/ وبأنه شخصية محببة إلى

نفسه ويدعي بأنه رئيس الأمة الإسلامية (بعد أن كان شيوعياً طبعاً) .

* قناة تلفزيونية تركية تبث سمومها ليل نهار وبشكل متواصل من أفلام خليعة

ماجنة أو أفكار خبيثة، بحيث لا توجد هذه العروض حتى في دول الكفر، وتبث

قناة أيضاً إلى روسيا بـ /أفلام جنسية/ وحتى أن التلفزيون المحلي يعتبر محافظاً

جداً أمام القناة التركية الخبيثة. كل هذا ليقولوا للناس: هذا هو الاسلام ولا حرج

فيه من هذا.

* هناك شركات أمريكية كثيرة تفتح باسم شركات وأسماء تركية لأن هذه

الشركات (التركية) لها ميزات كثيرة ويكفي المرء أن يثبت أنه تركي حتى يأخذ ما

يريد.

* واليهود يحاولون كسب الوقت لتثبيت أرجلهم اقتصادياً ويقومون بشراء

الأملاك العامة، والنصارى يوزعون أناجيلهم ويقرعون أجراسهم. والفرصة

الأخيرة للمسلمين الآن ليدخلوا البلد بقوة قبل أن يفوتهم القطار ويلحقوا بركب

غيرهم من البلاد التي تدعي الإسلام.

* الأسعار زهيدة والعروض كثيرة لإقامة مشاريع استثمارية جيدة بالإضافة

إلى ما لها من تأثير على الدعوة هناك..

* لم تمح بعد جميع آثار الشيوعية من البلد فما زالت صور الكاهن الأكبر

لينين في بعض الشوارع أو الميادين وما زال شعر المطرقة والمنجل منتشراً بين

الناس حتى إن بعض المصلين الذين حضروا لنا مواعظ كانوا يحملون على

صدورهم نياشين الشيوعية وشعارها. ولكن بزيادة الوعي بعونه تعالى ستكون هذه

الرموز إلى الزوال بشكل نهائي بعد مدة وبفضل الدعاة المخلصين إن شاء الله.

1- ورد تعريف لنظام الحجرات في العدد (51) بمقابلة مع الشيخ عبد الولي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015