مجله البيان (صفحة 1234)

الرعب والخوف والدموع فى عمليات إجلاء المسلمين (ترجمة)

الرعب والخوف والدموع

في عمليات إجلاء المسلمين عن البوسنة

بقلم: ماجي أوكين [*]

ترجمة: عبد القادر حامد

روزالينا تركض في الطريق، معها جارها سالكونوفيتش يدفع العربة بأمه

المقعدة ذات التسعين عاماً، ووراءهما الجنود الصرب يصرخون ويكادون يمسكون

بهم، تتعثر العربة فتنقلب العجوز المسكينة منها على أرض الطريق، الجنود

يدركونهم صارخين، فيتقافزون فوق بعضهم يحاولون الهرب، الحقائب والأكياس

والأمتعة تناثرت على الطريق، الجنود الصرب المتنكرون بالأقنعة وبالقفازات

السوداء بدون أصابع يحيطون بهم قائلين: أين (الله) ربكم الآن؟ ! سوف (نفعل [1] ) بكن كلكن يا مسلمات! ! ثم تتابع روزالينا: يجب أن اعترف أنهم فعلوا الفاحشة

معنا، شعرت بالعار، كنا جميعاً ممدات على الطريق في الأقذار، دون أن نستطيع

فعل شيء! .

بعدئذ جاءت الشاحنات العسكرية، وحملتهم إلى معتقل (ترنبولي) لكنهم بعد ...

فترة أطلق سراحهم، وبقي بعض أصدقائهم في المعتقل. في أوائل شهر حزيران

(يونيو) أراد صليب خروستك - زوج روزالينا - أن يعود ليستطلع أخبار أصدقائه، فذهب إلى محطة القطار ليرى إن كان بإمكانه الوصول إلى ذلك المعتقل الذي يبعد

عن قريته ثلاثة أميال، والذي كان يوماً من الأيام مدرسة ابتدائية، فأصبح سجناً

للمسلمين والكروات الذين أصبحوا غير مرغوب فيهم في (جمهورية البوسنة

الصربية الجديدة) . ملعب المدرسة محاط بالأسلاك الشائكة ويضم (500) ... امرأة وطفل محتجزين هناك منذ (27) نيسان (أبريل) ولا يسمح لهيئة الصليب الأحمر بالدخول والاستفسار عن أحوال من بداخله.

إن معسكر (ترنبولي) ، هذا هو الأفضل من بين أربع معتقلات في هذه

المنطقة من البوسنة التي أصبح يسيطر عليها الصرب. ونزلاء هذا المعتقل

يُطْعَمون، والفلاحون المجاورون يجلبون لهم ما يحتاجون ويبيعونهم.

يقول صليب (خروستك) الذي وجد أن القطار يتجه إلى جهة أخرى: كان ...

القطار مؤلفاً من عشر قاطرات لنقل المواشي، آتياً من معتقل (ترنبولي) ، رأيت

وجوه بعض النساء فقط، وأيديهن ممدودة من نوافذ القاطرات ذوات القضبان

الحديدية، ويشير الضجيج المتصاعد أن هذه القاطرات مملوءة بالنساء. النساء

تبكي وتنتحب، والأطفال يتصارخون: ماء، كأس الماء فقط! كان يوماً حاراً

والقاطرات تحت الشمس، لا مراحيض هناك! بقوا هناك طوال الليل والأبواب

مقفلة عليهم طوال الوقت. ذهبت في الصباح وموظف المحطة يحاول إعطاء

قارورة ماء لهن، لكن الحارس الصربي المسلح قال له: هؤلاء متعصبات علي

عزة، ابتعد عنهن ودعهن يمتن من العطش.

بقيت القاطرات في المحطة حتى الساعة 11. 30 من تلك الليلة.

هناك عامل بالسكة طلب من جمعية (محمد) الإسلامية الخيرية في بانيالوكا

استقبال النساء والاطفال عند وصولهم البلدة. وحين وصلوا كانوا قد قضوا يومين

في القاطرات تحت شمس يوغسلافيا الحادة متكدسين فوق بعضهم، ولا زالوا على

حالهم يتصارخون، يمدون أيديهم من بين قضبان النوافذ الحديدية متوسلين: اثنان

من الاطفال ماتا، دعونا نخرج جثتيهما. دعونا نخرج، من فضلكم ماء. حاولت

الجمعية الخيرية إحضار بعض قوارير الماء إلى القاطرات. فقال لهم الشرطي:

أين تذهب بهذا، ارجع أدراجك.

وصلت الشاحنات إلى ضواحي زينيتسا في 15 حزيران، استغرقت الرحلة

خمسة أيام، فقد كانت تسير ليلاً فقط، كان الأموات من الركاب قد بلغ عددهم أحد

عشر، 7 أطفال، واثنان من الأمهات، وامرأتان.

هناك (14) ألف مسلم محتجزين في المعتقلات الأربعة الأخرى في الزاوية

العليا للبوسنة. في أقصى الجنوب في (براتوناتس) 2000 مسلم محتجزون في

ملعب كرة قدم، وقد أفاد أحد رجال الإغاثة الدولية أنه في ليلة السابع من نيسان

وثلاث ليالٍ تلت كان رجال يؤخذون خلف الملعب ويقتلون. وفي تلك الليالي كان

هناك إطلاق رصاص مستمر خلف الملعب، ولم يكن هناك رد على هذا الرصاص. كان الرجال يؤخذون إلى خلف الملعب ولا يعودون، وقال بأن المسؤولين عن

هذه المجازر هم الصرب العاملون تحت إمرة رضوان كاراجيش الذي كان الأسبوع

الماضي في لندن.

يؤتى بالرجال المحتجزين في المعتقلات والملاعب من بيوتهم الموجودة على

طول الطريق المؤدي إلى بلغراد، وهي بيوت يسكنها المسلمون والكروات الذين

عاشوا منذ أجيال قديمة في القرى والمدن في الممرات التي تربط صربيا بالمناطق

البوسنية التي يسيطر عليها الصرب الآن في غرب البوسنة.

في الأسبوعين الماضيين افتتح طريق آخر للباصات يربط بلغراد بهذه المنطقة، حيث يجلب الصرب من بلادهم إلى القرى والمدن التي طهرت من المسلمين.

أول تطهير لهذه المنطقة من المسلمين بدئ به في نيسان، لم يبق من بيوت

المسلمين إلا آثار القصف الشديد بالمدافع والدبابات، التي لا زالت في القرى

الإسلامية، وكأنها في حالة راحة الآن، مثلها مثل ذلك الجندي الذي يرتدي بدلة

سباحة ويتمشى الآن على الجسر ومعه الكلاشينكوف.

ويحدث الآن تطهير آخر لأماكن بعيدة في هذا الممر من المسلمين،

فالسيارات العسكرية الصربية تملأ الطريق جيئة وذهاباً. والصرب يجوسون خلال

البيوت ويفرغونها من المتاع قبل إشعال النار فيها. الصرب في الباصات صامتون، وعندما مررنا بتلك الأرض الخراب كانوا يطلون من النوافذ، أفواههم منفرجة

قليلاً، ينظرون إلينا بدهشة، ما أشد مهارتهم! ! كيف أنجزوا إفراغ وتخريب

وإحراق آلاف وآلاف من البيوت في هذه المسافة التي لا تقل عن 11 ساعة سفر

بالسيارة؟ ! يقول حارث خروستك - وعمره 17 سنة - والذي قضى أربعة أيام

في المعتقل قبل أن يساعده أبو صديقه الصربي - وكان شرطياً - على النجاة

وزوده بأوراق الصليب الأحمر: عوملنا معاملة حسنة في المعتقل، لم يضربونا،

بل وضعونا في الحقل فقط، كان هناك (5000) منا على مرحاض واحد. وفي

اليوم الثاني أخذوا الرجال إلى أومارسكا، بعض النساء اللاتي كن هناك ليحضرن

لهم بعض الطعام قلن: إن الرجال أصبحوا مرضى الآن بالتيفوئيد وتليُّف الكبد.

فهم هناك منذ شهرين بلا غطاء، ولا ظل، ولا ماء للغسيل، ولا مكان صالح للنوم

أو الراحة. لم تتمكن هيئة الصليب الأحمر الدولي من زيارة معتقل أومارسكا، لكن

سمح لهم بالدخول إلى (مانياشا) وهو معتقل في المنطقة خاص بالذكور. ...

منذ أسبوعين أطلق سراح (106) أطفال تحت سن (18) ، ورجال فوق

(60) سنة، وتركوا في حديقة مسجد في بلدة بانيالوكا.، هناك آواهم أهل البلدة

وأطعمتهم النساء. وقد كانوا في غاية الضعف والإعياء، حيث لم يأكلوا أكلاً طبيعياً

خلال شهرين حسب ما قالت إحدى النساء التي قالت: أنا أخذت رجلاً عجوزاً

وقلت له: أعطني قميصك أغسله لك في الغسالة، حاولت مساعدته كي يخلعه،

ورأيت آثار الضرب المبرح على بدنه، وكان القميص ملتصقاً بجسمه.

(بانيالوكا) الواقعة في شمال الجمهورية الصربية الجديدة - التي كانت سابقاً

البوسنة - تنتظر أن تطهر من المسلمين أيضاً، فالصرب في الجبهة لم يعودوا

يتكتمون على ما يخططون له، فقد صرح قائد صربي في منطقة «فوشا» : لقد

طهرنا (فوشا) و (فيشاغراد) من المسلمين والآن سنطهر (كور اجدة) .

المسلمون والكروات يعرفون ما هو قادم، فهنا في (بانيالوكا) البلدة

المتطورة ذات الحدائق والمطاعم، يبدأ منع التجول من الساعة العاشرة مساءً،

هذا مخزن مسلم بنوافذه المحطمة، وذاك منزل مسلم واجهته قد نخلها الرصاص

والقصف نخلاً، وهناك امرأة ظلت تعمل لمدة (26) عاماً في شركة للاستيراد

والتصدير إلى ما قبل شهر قالت: رجعت من الغذاء يوم الجمعة وإذا بهم

يسلمونني ورقة قائلين: أنت لم تعملي هنا أبداً! جميع المسلمين طردوا من العمل

في ذلك اليوم، وهكذا اصبحنا بحاجة إلى أوراق رسمية لنتجول في بلدتنا التي

ولدنا فيها! ! بعض المسلمين والكروات ينتظرون محاولين ترتيب مبادلة منازل

بينهم وبين صرب آخرين في أجزاء أخرى من يوغوسلافيا، بعض كبار السن

قالوا إنهم لن يذهبوا إلى أي مكان. وبعضهم تركوا وراءهم كل شيء، يغادرون في باصات تغادر ملعب (بورشيف) مرتين في الأسبوع، ولا مخرج آخر لهم إلا بذلك.

في الساعة التاسعة من صباح يوم الاثنين كان هناك خمس باصات منتظرة

خارج ملعب داخلها 350 فرد لا يحملون شيئاً، أعمار غالبهم بين العشرين

والخامسة والثلاثين كان حولهم مئات من الأقارب والأصدقاء، يلوحون ويشيرون

على أقربائهم أن يدخلوا الباصات باسمين، يغمزون ويشيرون بالإبهام إلى أعلى..

أنور المحامي مع زوجته وطفله الذى عمره خمسة أشهر قرروا أن يغادروا

عندما أوقفه شرطي على عتبة المحكمة وأخبره بأن المسلمين لن يسمح لهم بالدخول.

تحركت الباصات الخمسة ببطء. وانكشفت التمثيلية بوضوح، كل من في

الباص انفجر بالبكاء، الدموع تنهمر بصمت، الأمهات في الخارج مغطيات

وجوههن يهززن رؤوسهن بين أيديهن، الآباء المشهورون بشدة البأس يبكون مثل

الأطفال، يودعون أبناءهم الذين دفعوا أجرة نقلهم ومعهم أوراق من القيادة العسكرية

أنهم يغادرون برغبتهم، وعن طيب خاطر منهم!

عند الحدود أمرنا كلنا بالنزول من الباص، التعليمات واضحة: ممنوع حمل

أي أدوات كهربائية، وممنوع حمل ما يساوي أكثر من مئة جنيه من الأمتعة.

الجميع جلوس على الأرض، وجوه تصبب عرقاً، شعور تتناثر على جباه مجهدة

متعرقة، (350) لاجئاً لا يريدهم أحد يجلسون على حقائبهم ينتظرون أسماءهم

لينادى عليها. الحقائب تفتش ثم يقال لهم: اصعدوا إلى الباصات، كل على

دراجته.

الأمم المتحدة هناك في الجهة الاخرى من الجسر ترحب بهم، فريق من بورما

يفتش الباصات الخمسة عن الأسلحة فلا يجد شيئاً. مراقب من السوق الأوربية

يقول: (هؤلاء ليسوا لاجئين، كلهم عندهم أعمال في النمسا وألمانيا) .

روزاليا خروستك التي هربت من قريتها تدفع العربة بالعجوز، وتشق طريقها

نازلة على الرصيف، وتقول: لم يبق شيئاً في قريتنا، احترق كل شيء، النادي،

المحل، من فضلك [2] ، خذي هذه كتذكار يثبت أنه كانت هناك قرية اسمها

كوساراس، وأن أعمال هتلر لم تكن شيئاً بالمقارنة بما حصل هناك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015