محمد الخريف
لا يخفى أن الصحافة كوسيلة من وسائل الإعلام الحديثة تضطلع بدور مهم في
المجتمع، فهي ميدان رحب الأفكار والمحاورات الفكرية والعلمية الجادة وصولاً إلى
الرأس السديد والحقيقة المطلوبة، إلى جانب دورها في البحث عن أخبار الأحداث
العالمية والمحلية من مصادرها وتزويد القراء بكل جديد يحدث بصدق وصراحة،
كما أن لها دوراً كبيراً في التأثير على الرأي العام لأفراد المجتمع، وإحداث
التصورات المطلوبة عن الخبر أو المعلومة التي تطرحها وفق صياغة معينة فيما
يخدم المصلحة العامة الحقيقية.
إلا أن أهم أدوار وسائل الإعلام عامة، والصحافة على وجه الخصوص هو
التعبير عن مشكلات وقضايا الناس وإيضاح احتياجاتهم وأوجه معاناتهم، بشكل
صادق وأمين. مع المطالبة والضغط في سبيل تحقيقها وإيجاد الحلول الجذرية لها.
ويتم ذلك عن طريق النقد البناء والتقويم السليم لكافة الأوضاع والظواهر الاجتماعية
بهدف المشاركة في الإصلاح وإيصال الصوت الخافت الضعيف إلى آذان المعنيين.
إضافة إلى الدور الريادي الفعال الذي يجب أن تقوم به الصحافة في مجال
الدعوة الإسلامية وممارسة رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالكلمة
الحكيمة العلمية المبنية على الدليل والمعلومات الصحيحة.
وإن المتأمل في الصحافة العربية بعد هذا العرض الموجز الذي سقناه عن
رسالة الصحافة ودورها في المجتمع سيجد كماً هائلاً من الصحف، والمجلات
اليومية والدورية ذات الورق الفاخر بصفحاتها التي سودت بكلام كثير، يمنحك
ولأول وهلة شعوراً بالغبطة والسرور على هذا الانفتاح والحرية التي سمحت بكل
هذا الكم الورقي والكلامي في الكتابة والتعبير.
ولكنك ما تلبث وبعد تمعن وفحص دقيق لمضمون هذه الإصدارات أن يتحول
شعورك الوقتي السابق إلى أسىً عميق وحزن ثقيل على هذا الوضع المتردي،
حينما تجد هذا الحشو الرخيص المبتذل وقد سودت به هذه الإصدارات في كل عدد
تغرق به سوق التجارة! غير متمسكة بمبدأ نبيل أو هدف سام، تقرأها من الغلاف
إلى الغلاف فلا تخرج بفائدة، إن لم يحصل لك ضرر.
وأنا أتكلم عن واقع حي مشهود لا ماض مندرس، فهي صحافة تبعية تتلقف
بغباء أو سوء نية معلوماتها، وتستقي أخبارها الهامشية من وكالات الأنباء العالمية
التي تسيطر عليها قوى الشر العالمية: الصهيونية والصليبية، تفرغها نصاً دون
تمحيص أو تدقيق، ولا تجد منها من يطلب الخبر من مظانه ومصادره الأصلية،
لأن هدفها الغالب تجاري بحت، لا تلقي بالاً لأمانة المسؤولية.
أما أخبارها المحلية فأخبار سطحية مكررة، تبرز المحاسن وتضخمها،
وتتفاعل عن الظواهر والمشكلات التي يعاني منها المجتمع، تتحرى بفارغ الصبر
الدعم الدوري من الجهات الرسمية، حتى لا تفلس، وتواصل الإمعان والتضليل
والتجهيل والتوجيه المعكوس. فإن أوردت خبراً ذا بال حرفته وأسقطت مضمونه
وإن احتوت على تحليل أو مقال، كان مضمونه بعيداً عن قضايا المجتمع، يدور
في فلك كاتبه انعكاساً لفكره الضيق، إن لم يكن منصباً في وادي التغريب والمسخ
الفكري الذي يمارس على قدم وساق من زمن بعيد عبر هذه الوسائل وغيرها.
ويدلك على تيه هذه الصحافة وبعدها عن دورها الحقيقي تلقفها لأخبار القطط
والكلاب وتفصيل حكاياتها مع خدمها الغربيين! مع تركيزها على أخبار وصور
الفنانين والفنانات وعرض حياتهم للمجتمع لتكريس الاقتداء بهم ومحاكاتهم. تجهد
في عرض الصور العارية والأخبار والمغامرات الرديئة لجذب المشترين من الغثاء
وإشباع شهوات الفارغين من كل فكر سليم، مع طرح موضوعات هامشية تلقى
اهتمام الرعاع كأخبار الرياضة والفن العفن..
إن رواج هذه الصحافة واستمرارها في الصدور يدل وللأسف على وجود من
يتلقى ما تطرحه من غثاء، وهذا الوضع يمثل ظاهرة مرضية يعاني منها المجتمع
تستحق من الدعاة والغيورين دراستها ومحاولة إيجاد الحلول الملائمة لمعالجتها عن
طريق إيجاد البدائل الفعالة القادرة على إعادة صياغة عقول أبناء الأمة وإصلاح
أفكارهم مما علق بها من تلوث فكري نتيجة متابعتها الطويلة لما تطرحه وسائل
الإعلام بوضعها الراهن، وإن ترك هذا الوضع على حاله ينذر بخطر عظيم يتطلب
تضافر الجهود لتغيير واقع الصحافة حتى تعود إلى ممارسة دورها المنشود ولن
يتأتى ذلك إلا حينما ينخرط أبناء المجتمع من ذوي الفكر السليم في هذا المجال بقوة
وفعالية تمكنهم من فرض وجودهم على الساحة الإعلامية متبنين طرح قضايا الأمة
وتوفير المعلومات والأخبار الصحيحة من مصادرها مع الاستفادة الكاملة من كافة
الوسائل والتقنيات الحديثة في مجال الاتصالات والإعلام والإخراج الفني الرفيع
حتى تعود للأمة هويتها وذاتيتها المستقلة ولا بد لتحقيق كل ذلك أن يصاحبه تطور
في كافة جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وانعكاس كل جانب على
الجوانب الأخرى.