خواطر في الدعوة
محمد العبدة
لا ضير على من يتصدى للدعوة أن يتكلم عن الأخطاء والأمراض التي توهن
العمل وتضعف الصف، فإن الكلام في مثل هذه الأمور ليس من التشاؤم ولا من
التثبيط، ولكنه من الإصلاح الذي تحتاجه الدعوة باستمرار.
داء قديم سرى إلى التجمعات الإسلامية كنا نسميه مشكلة (الشِلَلْ) وهو أن
يتجمع عدد قليل ممن تتقارب أسنانهم أو ثقافتهم أو جمعهم الأقليم الواحد، وقد يكون
هذا طبيعياً في البداية، ولكن بسبب انسجام آرائهم، يتطور الأمر ليشكلوا أداة
ضغط على العمل ويتعصبون لبعضهم، ويقدمون الخدمات لأنفسهم، ويحاولون
كسب الأنصار، ولا مانع عندهم من وضع الناس في غير مواضعهم وعلى حساب
الكفاءة والإخلاص، وتسير الأمور بهذه الطريقة وتصبح كأنها ظاهرة طبيعية فيشار
إليها ضمن العمل الكبير ويقال: مجموعة فلان أو (شلة فلان) . وهذا المرض إذا لم
يتنبه له في البداية يستفحل ويؤثر تأثيراً سلبياً على الدعوة.
وعودة إلى السيرة النبوية وفقهها ترينا كيف منع رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - مثل هذه التجمعات التي تبنى على القرب الجغرافي أو الانسجام في
النفسيات، وذلك بأن استفاد من الطاقات المبدعة ووضع كل إنسان موضعه،
وشغلهم بالنافع والمفيد، ولم يقرب أحداً لقرابة أو لمغنم أو مغرم، فالكل يرى نفسه
منسجماً مع الدعوة له مكان فيها، ولكن عندما تقع أخطاء مثل هذه من الكبار فمن
الطبيعي أن يكون رد الفعل انحرافات مثلها، فيتجمع العدد القليل ليثبتوا أنهم
موجودون وأن لهم تأثيراً وفاعلية.
وقد يكون من الطبيعي أن ينسجم عدد محدود مع بعضهم على ألا يؤدي هذا
إلى عمل جيوب داخل الجماعة، وعلى من يمارس عملاً مثل هذا أن يتقي الله،
ويشعر بالمسؤولية ولا يزكي أحداً إلا على أساس الكفاءة والاخلاص.