النظام العالمي الجديد ومجزرة البلقان
لخصت مجلة نيوزويك الصراع الأوربي الأمريكي حول مشكلة البلقان بأنه ...
(صراع يدعو للشماتة) وأنه حمل بذور الخلافات المستقبلية بين أمريكا وأوربا ... (لاسيما ألمانيا) والتي أشاحت عنها أحداث البلقان، فالولايات المتحدة كانت تدعو منذ بداية الأحداث إلى الإبقاء على يوغسلافيا الموحدة، لكن قادة ألمانيا والنمسا وإيطاليا (دول الطوق الكاثوليكي) خلصوا إلى ضرورة انفصال تلك المناطق ذات الكثافة الكاثوليكية عن يوغسلافيا، وتنقل المجلة أن لورنس إيجلبرجر نائب وزيرالخارجية الأمريكية كان هو عراب الفكرة الاتحادية بينما كان وزير الخارجية الألمانية السابق (غينشر) معارضاً قوياً لبقاء يوغسلافيا موحدة لدرجة أن الخلاف بين الرجلين أصبح معروفاً في الأوساط الدولية واصطبغ الخلاف بطابع شخصي (قذر) ..
وفي النهاية بدا واضحاً أن أوربا تسير خلف ألمانيا مما شكل هزيمة نكراء
للسياسة الأمريكية كما تقول المجلة، حيث ذهبت تصريحات بيكر التي أدلى بها في
بلغراد والتي كانت تدعو إلى بقاء كرواتيا وسلوفانيا ضمن سيطرة بلغراد أدراج
الرياح ...
لقد كانت هذه التصريحات بمثابة الضوء الأخضر [*] (لجزار البلقان) ...
ميلوفيتش حيث أخذ في تنفيذ سياسة الضم القسري لكرواتيا والتي فشلت بعد أن
تدخلت ألمانيا والأمم المتحدة لحماية الكروات وضمان إقامة دولتهم وكيانهم الخاص،
وإن كانت هذه الإشارة قد ظهرت ملامحها بعد أسابيع قليلة عندما هاجمت قوات
الصرب في البوسنة المدعومة من الجيش الاتحادي قرى وتجمعات المسلمين دون
أن تهب دول الطوق الكاثوليكي أو الأمم المتحدة لوقف نزيف الدم المسلم. ...
إن الصراع بين ألمانيا وأمريكا في قضية البلقان هو صراع مستتر ومغلف
بلهجة دبلوماسية هادئة، وهو يصب في مجرى المحاولات الألمانية / الأوربية
للتوسع وكسب الأسواق والحلفاء في عصر انهيار الشيوعية، وقد يكون الاهتمام
الألماني بقضية الأكراد شاهد آخر على هذا التوجه الاستعماري المغلف. والألمان
يدركون حتماً أن النظام العالمي الجديد يسمح لهم بالمناورة في هامش المصالح
الجانبية التي لا تشكل أهدافاً أمريكية مباشرة، والأمريكان بدورهم لا يودون التورط
في كل الصراعات الإقليمية لا سيما تلك التي لا تشكل أهمية اقتصادية وعسكرية
مباشرة وهامة، كما أنهم يراهنون على فشل الدور الألماني وتدخله في الصراعات
الدولية حيث ظلت ألمانيا بعيدة عن اللعبة الدولية الاستعمارية لفترة من الزمن،
فقدت خلالها كثيراً من خبراتها ومواهبها. في الوقت ذاته أثبت الأمريكان أن الدور
الألماني يبقى محدوداً، فبدون التبني الأمريكي لقرارات الأمم المتحدة ودفعها إلى
مواقف فعلية يبقى الدور الألماني هاماً وإن لم يكن حاسماَ.. ويبقى الدوران:
الألماني العاطفي والأمريكي المتردد من نزاع البوسنة رسالة مبطنة إلى سفاحي
العالم والقيادات الدكتاتورية والمنتشرة هنا وهناك تقول: (طالما أن المصالح
الأمريكية والغربية مصانة فلا ضير من العدوان واحتلال أراضي الآخرين ولا مانع
من بقر بطون النساء واغتصابهن، وسحل جثث الأبرياء كل لحظة، وتطاير
الخوف من عيون الأطفال خصوصاً إذا كانوا من أتباع الأمة الإسلامية.. هذه الأمة
الغائبة، أو قل المُغيَّبة) .
* هل هي صورة مكررة من تلميحات غلاسبي السفيرة الامريكية لصدام
حسين؟