في الصحيح غُنية
عن الضعيف والموضوع
من الأخبار والآثار
الشيخ: مقبل بن هادي الوادعي
قال أبو نعيم - رحمه الله - في الحلية (4/139) حدثنا محمد بن أحمد بن
الحسن، ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث (ح [1] ) وحدثنا سليمان بن أحمد، ثنا
محمد بن عون السيرافي المقري، قالا: ثنا أحمد بن المقدام، ثنا حكيم بن خذام أبو
سمير، ثنا الأعمش، عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، قال:
وجد علي بن أبي طالب درعاً له عند يهودي التقطها فعرفها فقال: درعي
سقطت عن جمل لي أورق. فقال اليهودي. درعي وفي يدي، ثم قال له اليهودي:
بيني وبينك قاضي المسلمين، فأتوا شريحاً، فلما رأى علياً قد أقبل تحرف عن
موضعه وجلس علي فيه ثم قال علي: لو كان خصمي من المسلمين لساويته في
المجلس، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا تساووهم في
المجلس وألجئوهم إلى أضيق الطرق، فإن سبوكم فاضربوهم وإن ضربوكم
فاقتلوهم. ثم قال شريح: ما تشاء يا أمير المؤمنين؟ قال: درعي سقطت عن
جمل أورق، والتقطها هذا اليهودي. فقال شريح ما تقول يا يهودي؟ قال درعي
وفي يدي. فقال شريح: صدقت والله يا أمير المؤمنين. إنها لدرعك ولكن لابد من
شاهدين، فدعى قنبراً مولاه والحسن بن علي وشهدا: إنهما لدرعه. فقال شريح:
أما شهادة مولاك فقد أجزناها، أما شهادة ابنك لك فلا نجيزها. فقال علي: ثكلتك
أمك، أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. قال اللهم نعم. قال: أفلا تجيز شهادة سيد
شباب أهل الجنة؟ والله لأوجهنك إلى (بانقيا) [2] تقضي بين أهلها أربعين يوماً
ثم قال لليهودي: خذ درعك. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي
المسلمين، فقضى عليه ورضي، صدقت -والله- يا أمير المؤمنين إنها لدرعك
سقطت عن جمل لك التقطتها، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله،
فوهبها له علي، وأجازه بتسعمائة، وقتل معه يوم صفين. السياق لمحمد بن عون، وقال عبد الله بن سليمان فقال علي: الدرع لك، وهذا الفرس لك، وفرض له في
تسعمائة ثم لم يزل معه حتى قتل يوم صفين.
غريب من حديث الأعمش عن إبراهيم، تفرد به حكيم ورواه أولاد شريح
عنه عن علي نحوه.
حدثناه محمد بن علي بن حبيش قال: ثنا القاسم بن زكرياء المقري قال: ثنا
علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة عن شريح. قال: لما توجه علي إلى حرب
معاوية افتقد درعاً له، فلما انقضت الحرب، ورجع إلى الكوفة أصاب الدرع في يد
يهودي يبيعها في السوق. فقال له علي: يا يهودي هذه الدرع درعي لم أبع
ولم أهب. فقال اليهودي: درعي وفي يدي. فقال علي: نصير إلى القاضي، فتقدما إلى شريح، فجلس علي إلى جانب شريح، وجلس اليهودي بين يديه، فقال علي: لولا أن خصمي ذمي لاستويت معه في المجلس، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: صغروا بهم كما صغر الله بهم. فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين، فقال: نعم إن هذه الدرع التي في يد اليهودي درعي، لم أبع ولم أهب. فقال شريح: ما تقول يا يهودي؟ فقال: درعي وفي يدي. فقال شريح: يا أمير المؤمنين بينة. قال: نعم قنبر والحسن يشهدان أن الدرع درعي. قال: شهادة الابن لا تجوز للأب. فقال: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته! سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه، وقاضيه قضى عليه؟ ! أشهد أن هذا للحق، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأن الدرع درعك، كنت راكباً على جملك الأورق وأنت متوجه إلى صفين، فوقعت منك ليلاً فأخذتها، وخرج يقاتل مع علي الشُراة [3] بالنهروان فقتل.
تحقيق الرواية:
هذه القصة قرأتها في سبل السلام للصنعاني عازياً لها إلى الحلية، وأعجبت
بها، وكنت آنذاك لا أميز بين الصحيح والموضوع، وقد ارتسمت في ذهني، لما
اشتملت عليه من العدل والإنصاف من أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-،
وقاضيه شريح بن الحارث الكندي -رحمه الله-، وبعد زمن طويل طالعت في
كتاب الأباطيل للجوزقاني فإذا هو يذكر القصة في الأباطيل. ولما رأيت الناس
معجبين بهذه القصة كما أعجبت بها، فذاك يلقيها في محاضرته، وآخر ينشرها في
مجلته، وآخر يذكرها في كتابه، والقصة لا تصح؛ رأيت أن أذكر ما قال أهل
العلم في هذه القصة، فالجوزقاني -رحمه الله- ذكرها في الأباطيل (2/197) وقال
(ص 198) : هذا حديث باطل تفرد به أبو سمير وهو منكر الحديث. إلى آخر ما
ذكره.
وذكرها ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/388) وذكر نحو ما ذكره
الجوزقاني.
وذكرها الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة أبي سمير حكيم ابن خذام
(وقد تصحف في الحلية والأباطيل إلى حزام) وذكر الحافظ الذهبي أن أبا حاتم قال:
إنه متروك الحديث. وقال البخاري منكر الحديث، يرى القدر. وقال القواريري:
وكان من عباد الله الصالحين.
فعلم بهذا أنها ضعيفة جداً من طريق أبي سمير حكيم بن خذام.
وأما السند الثاني ففيه سقط أو تصحيف، وهو من طريق علي بن عبد الله بن
ميسرة عن شريح، وعلي بن عبد الله بن معاوية لم يرو عن أبيه عن جده عن
شريح كما في الميزان واللسان، فعلم بهذا أن في السند سقطاً أو تصحيفاً، ثم علي
ابن عبد الله ذكر الإمام الذهبي عن أبي حاتم أنه كتب عنه قصة غير هذه أخبره بها. وقال: كتبت هذا لأسمعه من هذا الشيخ، ثم تركته لأنه موضوع.
ثم وجدت القصة بالسند الثاني في أخبار القضاة لمحمد بن خلف الملقب بوكيع
(2 / 194) فقال: حدثني علي بن عبد الله بن ميسرة بن شريح القاضي قال:
حدثني أبي عن أبيه معاوية بن ميسرة عن شريح قال: لما رجع علي من قتال
معاوية وجد درعاً له افتقده بيد يهودي يبيعها فقال علي: درعي، لم أبع ولم أهب.
فقال اليهودي: درعي وفي يدي، فاختصما إلى شريح فقال له شريح: هل لك بينة؟ قال: نعم قنبر والحسن أبني. فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب. قال:
سبحان الله رجل من أهل الجنة. فعلم بهذا أن في نعيم سقطاً أو تصحيفاً.
وسندها مظلم لم أجد في كتب الجرح والتعديل إلا ترجمة علي بن عبد معاوية
بن ميسرة في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم قال أبو حاتم: شيخ. اهـ.
فعلم أن هذه القصة لا تثبت وعدالة الإسلام معلومة من غير هذه القصة
الباطلة والحمد لله.