كتب
الفرصة السانحة [*]
عرض: د. مالك إبراهيم الأحمد
يعتبر الكثير من النقاد والمحللين السياسيين كتاب نيكسون الأخير (الفرصة
السانحة) أهم كتبه التسعة على الإطلاق، ونظراً لما يمثله هذا الكتاب من أهمية بالغة سواء من حيث كاتبه وهو رئيس سابق للولايات المتحدة أو من حيث المادة
المعروضة وهي دراسة تحليلية لواقع العالم (ومن ضمنه العالم الإسلامي) ، رأينا
عرض هذا الكتاب للقارئ المسلم خاصة وأنه يعرض الفكر الغربي (الأمريكي على
وجه الخصوص) بشكل واضح وعميق، ولهذا أوصي أصحاب الاهتمام بقراءة هذا
الكتاب..
فصول الكتاب:
الكتاب يتكون من سبعة فصول، الأول بعنوان العالم الحقيقي ويقصد به العالم
الذي تسود فيه قوى الحرية بزعامة أمريكا. والفصل الثاني (الإمبراطورية
الشريرة السابقة 9 وهي إمبراطورية الاتحاد السوفييتي التي سقطت. وقد أشار في
توطئة الكتاب حول سقوط الاتحاد السوفييتي بقوله: منذ حوالي اثنين وثلاثين
عاماً قال لي خروتشوف في موسكو بشيء من الصلف: سوف يعيش أحفادك في
ظل الشيوعية، فأجبته قائلاً: سوف يعيش أحفادك في ظل الحرية) . ...
أما الفصل الثالث فهو بعنوان: (الوطن المشترك عبر الأطلنطي) أي أوربا. ... والفصل الرابع عن المثلث الباسيفيكي. والفصل الخامس عن العالم الإسلامي
والسادس حول نصف الكرة الجنوبي (نظرة تفصيلية لدول العالم الثالث اقتصادياً
وسياسياً) ، ويختم الكتاب بفصل تجديد أمريكا.
وسوف نتوقف في استعراضنا هنا عند الفصول الأول والخامس والأخير لما
لها من أهمية خاصة لنا كمسلمين.
يتصدر الفصل الأول دعوة ساخنة كي تلعب الولايات المتحدة الأمريكية
دورها في العالم (نعيش الآن في عالم ليس به إلا قوة عظمى واحدة وهي الولايات
المتحدة، وعلينا الآن تشكيل سياستنا الخارجية لكي تتلائم مع الوضع الجديد.
وينادي كثير من الأمريكيين سواء من اليمين أو اليسار بأنه على الولايات المتحدة
أن تتراجع وتنطوي على نفسها بعيداً عن العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولكن
الواقع يقول إنه يجب على أمريكا أن تقود العالم في السنين القادمة) .
ثم يشير إلى الحرب الباردة ويركز على دور الاتحاد السوفييتي الشرير في
العالم وما آل إليه أخيراً، ثم يرد على ثلاثة شعارات مطروحة:
الأول: التاريخ قد توقف وذلك بعد انهيار الشيوعية وأن السيطرة هي
للتكنولوجيا والاقتصاد والأفكار وليس للقوة العسكرية.
الثاني: القوة العسكرية ليس لها ضرورة وأنها لم تعد تشكل حجر الأساس في
السياسة الدولية.
الثالث: أمريكا في طريقها إلى التراجع بسبب الديون الضخمة والعجز
التجاري.
وفي رده المفصل على هذه الأطروحات يؤكد أن القوة الاقتصادية ليست بديلاً
بأي حال للقوة العسكرية ويضرب مثالاً على ذلك في أزمة الخليج حيث وقفت أكبر
قوتين اقتصاديتين وهما ألمانيا واليابان متفرجتين على الأوضاع بل اعتمدتا كلياً
على دور الولايات المتحدة. ثم يتساءل: (إذا لم تنعم الولايات المتحدة بقيادة العالم
فمن الذي يجب عليه ذلك؟ إن الدول الوحيدة التي تستطيع ذلك هي اليابان والصين
والاتحاد السوفييتي (سابقاً) وألمانيا. إن الولايات المتحدة ليس لديها فقط ما تملكه
هذه الدول، بل أيضاً ما لا تملكه، وهو عدم وجود تطلعات إمبريالية أو استعمارية
تجاه الدول الأخرى) .
ويحاول نيكسون أن يبرز إيجابيات تفرد الولايات المتحدة وحرصها على رفاه
وحرية العالم، وإن لم تكن لها مصالح من ذلك ويضرب لذلك مثال أزمة الخليج:
(لولا تدخل الرئيس بوش لكان صدام حسين يتحكم الآن في 50% من إنتاج البترول
العالمي، وبالرغم من أن أمريكا يمكنها الاستغناء عن نفط الخليج إلا أن أوربا
واليابان لا يمكنهما ذلك، ونحن نتأثر بما يصيب اقتصاديات البلاد الديمقراطية
الأخرى، ولذلك كان لا يمكننا أن نسكت على سيطرة العراق على نفط الخليج الذي
يمكن أن تتخذه وسيلة لتهديد العالم عن طريق التحكم في إنتاجه) .
ويناقش نيكسون بتفصيل القول الذي يدعو إلى انكفاء الولايات المتحدة على
نفسها ومحاربة مبدأ رجل البوليس الدولي مضيفاً عنصراً أخلاقياً - في زعمه -
لدورها: (إن انعزالنا يخالف مثلنا ومعتقداتنا الدينية التي تدعو إلى نشر الفضيلة في العالم أجمع، وهذا لا يعني أن علينا أن نتدخل في كل صغيرة وكبيرة في العالم، ولكن يجعل علينا التزاماً أدبياً في استخدام كل إمكاناتنا كدولة عظمى لحماية الحرية والعدل في البلاد التي يهمنا أمرها وهي مفيدة لنا) . ويشير إلى أن دور الأمم المتحدة - كحافظ للسلام الدولي - محدود جداً، ولا يمكن أن تحقق أي دور ما لم يتم اتفاق الدول الكبرى على رأي محدد سابقاً.
ويضرب لذلك أمثلة حيث لم تتخذ الأمم المتحدة موقفاً إيجابياً وعملياً من
حوالي مئة حرب في أنحاء العالم إلا في حالتين وهي الحرب الكورية وحرب
الخليج. وهذا بالطبع يدل على أن لا مناص من قيادة الولايات المتحدة للعالم.
ويتطرق في موضع آخر إلى قضية حيوية وهي: متى تتدخل الولايات
المتحدة في أزمات العالم. ويجيب بحسب مصالح الولايات المتحدة والتي يقسمها
إلى مصالح حيوية (ما كان يهدد مصالح الولايات المتحدة مباشرة) ومصالح هامشية
ومصالح حساسة (وهي التي تشكل تهديداً لإحدى النقاط الحيوية للولايات المتحدة) .
فالتدخل لازم في الحالة الأولى ومحتمل في الثالثة.
والولايات المتحدة - في نظر نيكسون - قادت العالم الحر ضد التهديد
الشيوعي سابقاً، وهي محل أنظار العالم لتقوده إلى الحرية والسلام والتقدم، وهي
قادرة على ذلك رغم ما يعتريها من مشاكل داخلية حادة من جريمة، مخدرات،
سوء تعليم، تفرقة عنصرية وغيرها. والفرصة سانحة لها لقيادة العالم فهل هي
فاعلة؟ ؟
في فصل العالم الإسلامي ينقل نيكسون التصور الخاطئ والمنتشر لدى ...
الأمريكان عن المسلمين والعالم الإسلامي مبيناً أنهم - في تصور الأمريكان -
أصحاب أشد الصور قتامة وأشد حتى من الصين الشيوعية.
ويشير إلى الصيحات والتحذيرات التي يطلقها البعض محذرين من الخطر
الداهم القادم من العالم الإسلامي، ذي الإمكانات البشرية الهائلة والمادية الضخمة،
ويرد على ذلك بأن الأمر أهون مما يتصورون، فالمسلمون - رغم إيمانهم بالدين
الإسلامي جملة - فإنهم يعانون تفككاً سياسياً ذريعاً ومشكلات مستعصية وتمزقاً
عقائدياً ومذهبياً.
ويتطرق في موضع آخر إلى الحضارة الإسلامية السابقة وإمكانية عودتها
مستقبلاً إذا استقرت الأمور في المنطقة بعيداً عن الحروب، (مع إسرائيل بالطبع) .
ويصنف الحركات السياسية في العالم الإسلامي إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
1- الأصوليون (كما يسميهم الغرب) : ويمثلهم بشكل خاص الثوار الشيعة في
إيران ولبنان.
2- الرجعيون: وهم الدكتاتوريون الذين يؤمنون بالحزب الواحد أمثال صدام
العراق وقذافي ليبيا.
3- التقدميون: الذين يرون ربط المسلمين بالغرب وليس لهم نظرة عدائية
للغرب مثل تركيا، باكستان، ومصر.
ونظرة نيكسون نحو هذه المجموعات هو دعم التقدميين لما فيه من مصلحة
متبادلة، وكي يستطيعوا مقاومة الأصولية والرجعية. ويبين طريقة التعامل مع
جميع المجموعات سواء كانوا أصوليين في السلطة (مثل إيران) أو تقدميين يمكن
أن يكونوا شركاء منطقيين للولايات المتحدة (تركيا - باكستان - مصر اندونيسيا)
نظراً لثقل بلدانهم الاستراتيجي ولمقوماتهم البشرية والمادية.
أما أسلوب التعامل معهم (فيجب ألا تصل العلاقة بين أمريكا والدول الشريكة
إلى حد الوصاية، ويجب ألا نتعامل مع الزعماء في الدول التقدمية كأنهم مراسلون
بيننا وبين شعوبهم، بل علينا أن نعاملهم كشركاء متساويين، لأن أسرع طريقة
ندفنهم بها هي معاملتهم كأنهم أبواق للدعاية الغربية) .
ويضيف قائلاً: (علينا أن نتقبل في بعض الأحيان رفض أصدقائنا في العالم الإسلامي لبعض تصرفاتنا، التي تسبب لهم حرجاً سياسياً في بلادهم. فعندما ألقت الولايات المتحدة القنابل على ليبيا انتقاماً منها لمهاجمتها بعض الجنود
الأمريكيين قام كثير من الزعماء في المنطقة بلعننا على الملأ، وبالثناء علينا في سرهم. فيجب ألاّ يزعجنا أن تضطر الظروف أصدقاءنا أن يتفوهوا ببعض
السباب ضدنا إرضاءً لأعدائنا) .
ويمثل العالم الإسلامي - كما يرى نيكسون - واحداً من أكبر التحديات لسياسة
الولايات المتحدة في القرن القادم، وهناك قضيتان أساسيتان تمثلان حالة عدم
استقرار فيه، وهما النزاع العربي الإسرائيلي وأمن الخليج العربي.
ومن هذا المنطلق يحذر من محاولة وضع حل شامل للأمن في المنطقة، أو
محاولة وضع نظام للحد من الأسلحة، أو الانسياق وراء مقولة إعادة توزيع الثروة
بل يكتفي بوجود معاهدات أمنية ثنائية مشتركة مع دول المنطقة وتعاون على أوسع
نطاق أمام أية تحديات تواجهها هذه الدول. وعقدة المنطقة - أو أهميتها - كما يرى
نيكسون؛ هو وجود البترول الذي يجب أن يصل للغرب بانتظام وبأسعار معتدلة،
وإسرائيل التي يجب أن تكون في مأمن من أي اعتداء، مفصلاً ذلك بقوله: (إن
التزاماتنا نحو إسرائيل عميقة جداً. فنحن لسنا مجرد حلفاء، ولكننا مرتبطون
ببعضنا أكثر مما يعنيه الورق. نحن مرتبطون معه ارتباطاً أخلاقياً) .
وأنهم - أي أمريكا حكومة وأفراداً - لا يمكن أن يسمحوا لأحد - كائناً من
كان - بالتعرض لإسرائيل وتدميرها. ثم يفصل - من وجهة نظره - كيفية حل
الصراع العربي الإسرائيلي بشكل يضمن حقوق إسرائيل والفلسطينيين.
وننتقل إلى الفصل الأخير (تجديد أمريكا) الذي هو بمثابة خاتمة للكتاب
ويؤصل الكاتب فيه دور أمريكا القيادي للعالم وأهمية ذلك وأثره.
ويؤكد في بداية الفصل أن الدور الذي تقوم به أمريكا لا يمكن أن يقوم به
غيرها، نظراً لأنها تمتلك جميع مقومات القيادة وهي القوة العسكرية والاقتصادية
والسياسية، فضلاً عن المبادئ والمثل التي ترفع لواءها وتنتصر لها.
ويدعو نيكسون لمزيد من الاهتمام بالجانب الاقتصادي والتعليمي لأمريكا كي
تكون عند حسن ظن الآخرين وتوقعاتهم، ويتساءل خلال هذا الفصل: (هل
تستطيع الولايات المتحدة أن تقوم بدور القيادة للعالم؟ الجواب بكلمة واحدة: نعم،
ويمكن للعالم أن يتبع خطانا) .
أما كيف تقود أمريكا العالم فيبين أن: (الولايات المتحدة كأكبر قوة في العالم
من واجبها أن تقوده دون أن تفرض عليه آراءها أو مثالياتها. علينا أن نرعى نمو
الديمقراطية ما دام هناك مجال لها، وما دام الشعور القومي يتجاوب معها وتتجاوب
معها عاداته ومؤسساته، وعلينا أن نحذر من فرضها على أي شعب بالعنف) .
ويختتم بدعوته لأمريكا أن تتبوأ مكانها القيادي، وللعالم بأن يتبعها فهي منارة الأمن
والحرية والسلام في العالم أجمع وبدونها فالقطار قد يتوقف إن توقف ربانه،
والفرصة سانحة لقرن أمريكي ثان قادم فهل هم فاعلون؟