مراجعات في عالم الكتب
نظرية الضرورة الشرعية
جدواها وضوابطها
تأليف: د. جميل بن محمد مبارك
عرض: هيثم الحداد
إن موضوع الضرورة من الموضوعات الهامة التي ينبغي على الدعاة وطلبة
العلم الإلمام بها، ومعرفة حدودها وضوابطها، ذلك إن الساحة الإسلامية على وجه
العموم والعمل الإسلامي على وجه الخصوص قد جدت فيه أمور غير مألوفة
وأحوال قد تضطر المسلم إلى الوقع فيما أصله المنع، وقد بلغت هذه الأحوال من
الكثرة حتى أصبح المسلم يواجهها في عدة صور وربما في كل يوم.
خذ أخي القارئ مثالاً على ذلك وهو السفر إلى بلاد الكفار، لقد أصبح المسلم
عرضة لهذا السفر كثيراً، فقد يطرد المسلم من بعض بلاد المسلمين لا يجد له
المأوى إلا في بلاد غير إسلامية، وقد يضيق عليهم في الرزق ولا يجد سعة فيه إلا
عند الكفار، بل قد يضيق عليه في دينه ودعوته ويجد فسحة في ذلك -وللأسف -
في البلاد التي يحكمها يهود أو نصارى.
وقد تضطره متابعة التعليم إلى الذهاب إلى هناك والإقامة بين أظهرهم ردحاً
من الزمن؟ أليست هذه أحوالاً استثنائية لم تكن معهودة من قبل؟ إذا كيف يواجه
المسلم - وخصوصاً الداعي - مثل هذه الأحوال وهل هي أحوال ضرورة تبيح له
ما كان محظوراً؟ إذا ما هي حدود الضرورة وما هي ضوابطها.
جواب هذه الأسئلة وغيرها تجدها في كتابنا هذا الذي نقدم تعريفاً موجزاً له.
وموضوع الضرورة قد تناوله الفقهاء في كتب الفقه على صورة أحكام فرعية متفرقة
في عدة مواطن، ولم يتحدثوا عن ضوابطها وحدودها، وتعرض لها الأصوليون في
كتب القواعد الفقهية - على وجه التخصيص - وغيرها ولكن بصورة غير مستقلة. فكانت هناك حاجة لمن يجمع شتات هذا الموضوع، ويجلي ضوابط الضرورة
وحدودها، حتى يسهل تفريع الأحكام عليها.
ومن الكتب المهمة التي جمعت شتات هذا الموضوع في بحث مستقل كتاب
(نظرية الضرورة الشرعية حدودها وضوابطها) .
وقد جاء هذا البحث منسقاً متناسقاً، أتى فيه مؤلفه على جميع ما يتعلق
بالضرورة من ضوابط وحدود بصورة واضحة، فاستطاع من خلاله أن يثبت، أن
الإسلام جاء بنظرية متكاملة شاملة للضرورة، جعلته أيسر الشرائع وأكثرها ملائمة
للحياة.
وقد قسم البحث هذا إلى أربعة أبواب بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة:
* فقد ذكر في الباب الأول تعريف الضرورة وأدلة مراعاتها، وعلاقاتها
بالمشقة، والأسباب المؤدية إلى الضرورة، ومدى أثرها في إباحة المحظورات.
* أما الباب الثاني فقد خصصه لبعض المصطلحات الأصولية التي لها علاقة
بالضرورة مثل الاستحسان وسد الذرائع.
* ومن أهم أبواب الكتاب الباب الثالث، حيث تناول المؤلف فيه ضوابط
الضرورة.
* ولربط الموضوع ببعض الفروع الفقهية المعاصرة أفرد الباب الرابع لحديثه
عن بعض الأحكام المترتبة على الضرورة.
ومن أهم ما يتميز به هذا الكتاب:
- أنه يبدأ بتأصيل القاعدة وتوضيح حدودها وضوابطها ثم يذكر جملة من
الفروع الفقهية التي تبنى على هذه القاعدة.
لم يكن المؤلف جامداً في نقله عمن سبقه من العلماء أو الباحثين، بل كان
ينقل أقوالهم ويعمل نظره فيها بقوة، فيناقشها مناقشة هادئة مبنية على الأدلة
والقواعد العامة للشريعة، ثم على الواقع، انظر إليه -مثلاً- وهو يناقش تعريفات
الفقهاء للضرورة وما على هذه التعريفات من مآخذ، ثم تجده يخرج بتعريف مستقل
يقول فيه (خوف الهلاك أو الضرر الشديد على أحد الضروريات للنفس أو الغير
يقيناً أو ظناً إن لم يفعل ما يدفع به الهلاك أو الضرر الشديد) [1] .
- مما ينبغي على الباحثين الآن عدم الجمود على الأمثلة التي ذكرها الفقهاء
السابقون، بل لا بد من ضرب أمثلة حية لها صلة وثيقة بواقع المجتمعات الآن،
وفي هذا من الفوائد جعل العلم أقرب مأخذاً من قبل الناس، فينمو شعورهم بأن هذه
الشريعة قادرة على معالجة مشكلاتهم، ثم إنه يجعل الفقيه أكثر تفتحاً ومعرفة
بمشكلات العصر، وقد أجاد كاتبنا هنا أيما إجادة.
فمن ذلك أنه أفرد باباً مستقلاً في تطبيق نظرية الضرورة الشرعية على بعض
القضايا المعاصرة، ومما أورد فيه: أحكام السفر إلى بلاد الكفار وبعض الأحكام
التي تتعلق بالمسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد، وأورد أيضاً مسألة التداوي
بالمحرمات عند الضرورة، ثم اقرأ ما كتب عن محاولات تبرير الفوائد الربوية
بالضرورة.
ومن أجمل ما في الكتاب أنك تقرأه فتشعر كأنه يتكلم عن واقعك وما يعانيه
المسلمون من مشكلات، وهذه نتيجة تلقائية لضرب الأمثلة الحية من واقع الناس.
يقول تحت عنوان العوامل التي تؤدي ببعض المفتين إلى الإفتاء بالضرورة
في غير محلها [2] :
( ... ، 3- سيطرة روح التيسير ورفع الحرج عن عقول كثير من الذين
يفتون بالضرورة في غير مكانها، ولعل طغيان هذه الفكرة ينبع أحياناً من الرغبة
في تحبيب الدين للناس، بعد أن أصبح الدين في أنفسهم مهلهلاً، وكادوا يعبدون الله
على حرف..) .
(4- تعرض المفتي لبعض الضغوط من جهات معينة ترغب في استصدار
فتوى توافق ما تميل إليه، فيخضع المفتي لهذه الضغوط، ويلجأ إلى مثل هذه
العمومات إسناداً لفتواه، كرفع الحرج عن الأمة والتيسير والأخذ بقاعدة
الضرورات) .
(5- تورط بعض المفتين في مثل تلك القضايا التي يسألون عنها في حياتهم
الشخصية فيحملهم ذلك على البحث عن مخرج في الشريعة لما يعيشون من تلك
القضايا، حتى لا يتهموا بالخروج عن النصوص الشرعية، وحتى لا تتعارض
فتاواهم للناس مع ما يمارسونه في شئونهم، فإذا لم يجدوا موئلاً في النصوص لجأوا
إلى آيات التيسير ورفع الحرج) .
(6- عدم العلم الدقيق بتلك القضايا وعلم إحاطتهم بملآتها..)
بقي أن نقول إن الكتاب من طبع دار الوفاء للطباعة والنشر بالمنصورة وقد
جاء في 494 صفحة مع المراجع وفهرس الموضوعات.