مجله البيان (صفحة 1012)

حوار مع الشيخ على الغامدى حول الفقه والتفقه/2

مقابلة

حول الفقه والتفقه

(2)

حوار مع الشيخ علي بن سعيد الغامدي

هذه هي الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته البيان مع الشيخ على بن سعيد

الغامدي أستاذ الفقه في المعهد العالي للدعوة في المدينة المنورة.

* البيان: تيسرت الطباعة والمطابع وسهل تداول الكتاب، وهذا شيء طيب

بحد ذاته ولكن بعض الناس أخذوا من كتب الفقه مباشرة وتجرءوا عل الفتوى، فما هو الحل. هل تحصر الفتوى بعلماء معينين أم تترك لكل من يجد نفسه قادراً على ذلك؟

لا شك أن الفتوى عظيمة، وقد يبلغ الإنسان عمراً طويلاً ويستجمع علماً

كثيراً من الكتاب والسنة ولكنه مع هذا يتهيب التصدر للفتوى، وهذا الذي كان عليه

علماء السلف. فالصحابة -رضوان الله عليهم- مع أنهم يعيشون مع النبي -صلى

الله عليه وسلم- جواً علمياً عملياً ويرون بأعينهم الأحكام الشرعية ومع هذا إذا

جاءهم أحد بسؤال أو استفتاء كانوا يتدافعون الفتوى، وربما لا يجيب أحدهم حتى

يرى أنه قد تتعين الإجابة عليه، وكان أشياخ من أصحاب الرسول -صلى الله عليه

وسلم- يفتون ولكن إذ اختلفوا يأتون إلى معاذ بن جبل فيصدرون عن رأيه، وهذا

دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يتصدر للفتوى حتى يكون طالب علم متفقة

مؤهل، ومع ذلك عليه أن يدفع الفتوى عن نفسه ما استطاع إذا وجد من يفتي غيره. ولكن إذا لزمه الأمر ووقف هو على حكم المسألة ويعرف ذلك فلا بأس أن يبين

الحكم ويذكر الدليل للمستفتي إذا كان يفقه ذلك، أما إذا كان عامياً فإنه يكفيه أن

يخبره بحكم الشرع في هذا، والأصل أن طالب العلم يقرأ الكتاب والسنة وفقه

الأوائل ويستفيد ويذهب إلى أي جهة من الجهات ليعلم الناس، والأصل عدم تحديد

الفتوى بشخص معين ولكن في زماننا هذا أصبح بعض الناس إذا حفظ حديثاً عن

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه يخول لنفسه أن يفتي بما يشاء، فينبغي

للإنسان أن لا يتصدر إلا وهو أهل لذلك، وقد يكون من المصلحة أن تقصر الفتوى

في بلد من البلدان أو إقليم من الأقاليم على عالم أو مجموعة من العلماء الذين

اشتهروا بالتقوى والورع وجمع أقوال أهل العلم والأدلة في المسألة الواحدة،

ومعرفة الواقع الذي يعيش الناس فيه، وكذلك ربما تحدد مسائل يقع الناس فيها

بأغلاط كثيرة ويفتون بأقوال مرجوحة، لا بأس أن تحدد جهة إذا كان هذا يحقق

مصلحة من المصالح لكن بشرط أن يكون المفتي ممن تنطبق عليه الشروط

والضوابط التي ذكرها أهل العلم في كتب الاجتهاد ولو جزئياً، وقد كانت عائشة -

رضي الله عنها- تُسأل عن مدة التوقيت في المسح على الخفين فقالت: عليك بابن

أبي طالب فإنه كان يرافق النبي -صلى الله عليه وسلم- في أسفاره فهذا دليل على

الإحالة، وكذلك لما أحالوا عليها فيما تعرفه في مسألة الغُسل، فذكرت لهم الحديث

لأبي موسى وصدروا كلهم عن قولها، وهذا لا ينقص من قدر الإنسان إذا عرضت

عليه مسألة ثم ردها إلى عالم أو طالب علم.

* البيان: في أوربا أو الغرب بشكل عام أمور ومشاكل قد لا توجد في

المجتمعات الإسلامية فإما أن يُسأل أحد العلماء وهو بعيد عن أجواء المشكلة، ويفتي

دون الاطلاع على الظروف هنا أو يسأل من يعيش في هذه البلاد وهو ليس أهلاً

للفتوى فكيف ترون الحل؟

وهذه قضية مهمة تحتاج إلى دراسة جماعية، للخروج بالحلول التي قد تحد

من هذه المشكلة، وقد يكون من الحلول الآنية أن تحصر أهم هذه المشكلات من قبل

أناس يعيشون في هذه المجتمعات وتقدم لهيئات علمية لدراستها من كافة الجوانب

واقتراح الحلول لها. وهذا العبء يجب أن تقوم به المركز الفقهية والجامعات

الإسلامية وكذلك هناك عبء يقع على المراكز الإسلامية في هذه البلاد ويتمثل في

إعداد أشخاص يعيشون في هذه البيئات ويدرسون المشكلات التي يواجهها المسلمون

ويكونون مرجعاً للفتوى، وينشروا بحوثاً دورية توزع على الجاليات الإسلامية بلغة

مبسطة خالية من التفصيلات التي لا يحتاجها المسلم العادي.

* بعض الشباب الذين درسوا علوماً غير شرعية يحبون الازدياد من العلم

الشرعي وخاصة في الفقه والملاحظ أنهم يقرأون من الكتب الكبيرة مباشرة وليس

عندهم عالم، فبماذا تنصحون؟

طالب العلم هذا يعتبر مبتدئاً والأصل أن يدرس مختصراً من المختصرات،

وكل مذهب من المذاهب الأربع المشهورة عنده مختصرات، فيختار واحداً منها

وليستخر الله سبحانه وتعالى في دراسة واحد منها. فكتاب (الهداية في مذهب أبي

حنيفة) ميسر ومقرون بالدليل ويليه في السهولة واليسر كتاب (العمدة في الفقه) لابن

قدامة على مذهب الإمام أحمد وبالنسبة لمالك يمكن أن يتفقه على (الموطأ) فقد جمع

بين الحديث والفقه وله الشروح أو (الرسالة) لابن أبي زيد القيرواني، ومن أيسر

كتب الشافعية (المهذب) للشيرازي وهناك (المنهاج) أيضاً وله شروح متيسرة، ولا

شك أن حاجة المسلمين اليوم إلى وضع كتاب يجمع القول المترجح قد يحل المشكلة، ويجب أن يدرس أيضاً كتاب في أصول الفقه، ومن أفضل المختصرات وهو

يجمع أكثر أقوال أهل العلم كتاب الشيخ ابن عثيمين (الأصول من علم الأصول) .

* ولكن هناك أقوال ضعيفة ومرجوحة في كتب المذاهب وأقوال ليس عليها

دليل فكيف نتخلص من هذا إذا قرئت كتب في المذاهب؟

نحن متفقون على أنه لا يقرأ لوحده. لأن الذي يقرأ لوحده سيكون له أخطاء

كثيرة والأصل أن يقرأ على شيخ، والأصل أيضاً أن يكون هذا الشيخ على علم

بالأقوال والأدلة، وعندئذ يبين له أن هذا القول مرجوح بالدليل أو أن هذا القول

اعتمد على دليل ضعيف. هذا شيء لا بد منه، ولهذا ذكروا في كتاب (الفقيه

والمتفقه) وكتاب (جامع بيان العلم وفضله) ، و (تذكرة السامع) على أنه لا بد أن

يكون التفقه على شيخ.

والطالب هذا ليس عنده شيء الآن، فلابد له من موجه، وبعد ذلك إذا كان

عنده القدرة على البحث والمقارنة والوصول إلى ما هو أقوى وأقرب إلى الدليل،

فهذا له وليس محجوراً عليه. وليس ملزماً بأن يأخذ المذهب كله بما فيه من ضعيف

وصحيح.

* ما رأيكم بمن يعتمد الآن كتاب (فقه السنة) للشيخ سيد سابق؟

هذه طريقة غير صحيحة بالنسبة للشباب المبتدئ، لأن الحاصل أنه لم يخرج

عن المذاهب، كل ما في الأمر أن الشيخ سيد سابق يقارن أحياناً ويختار. وما دمت

ستتابع سيد سابق فمتابعة الشافعي أو أحمد أو أبو حنيفة أو مالك أولى، إذ هؤلاء

علماء الحديث والسنة الأولون، فدراسة مختصر من المختصرات على شيخ

وحصر الأحكام فيه، هذه مرحلة تأسيسية، ومثل (فقه السنة) يكون في مرحلة ثانية.

* ولكن لو فرضنا أنه قرأ (فقه السنة) أو كتاب (سبل السلام) مثلاً على عالم

ما المانع من ذلك؟

لا أقول هناك مانع ولكن أتصور أنها خطوة ثانية، فكأنه مثل الذي يبدأ من

السلم من الدرجة الثانية أو الثالثة قبل أن يبدأ بالأولى، والأولى لطالب العلم المتفقه

أن يبدأ بصغار العلوم قبل المقارنات، فإذا انتهى من المرحلة الأولى يأتي إلى

المرحلة الثانية.

ولكن ذكرت قبل قليل أن من أسباب دراسة بعض الناس الفقه المقارن محاولة

الخروج من الانحصار في دائرة المذهب والخروج من أسر التقليد، وهذا فيه نظر، لأن الاتباع شيء والتقليد شيء آخر.

* مناسبة الحديث عن التقليد والإتباع ما الفرق بينهما؟

التقليد يصل بالإنسان إلى درجة التعصب، مثل الذي يقول: إمامنا فرغ من

بيان الأحكام، وليس للقرآن والسنة حظ من القراءة إلا للتبرك وهذا الذي نهى عنه

أهل العلم، ولكن الاتباع بمعنى أن تتبع مذهباً وتسأل عن الدليل وبعد ذلك إذا

انتهيت من مسألة تعود وتنظر في أقوال أهل العلم، ومناقشات المسألة وتختار قولاً

من الأقوال إذا كنت مؤهلاً لذلك، ومن التأهيل:

1 - حفظ النصوص من القرآن والسنة وفهم شروحها ومعرفة طرق التعارض

وعلم الخلاف.

2 - أن يكون على علم بعلم أصول الفقه واستنباط الأحكام من أدلتها.

البيان: وفي آخر هذا اللقاء أكد الشيخ -حفظه الله- على أهمية العناية بالدليل وتربية طلاب العلم على روح البحث والبعد عن التعصب فجزاه الله خيراً، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015