مجله البيان (صفحة 1010)

الافتتاحية

هل هذا من السياسة؟

(?)

من سنن الله في التغيير وانتقال الأمة من الضعف إلى القوة أن يملك المسلمون

معرفة تفصيلية واستبانة واضحة لسبيل المجرمين، ليأخذوا حذرهم وليفرقوا بين

المنافقين والمتاجرين بالشعارات والمبادئ وبين من هم أهل إيمان ورسوخ،

وأصحاب أخلاق زكية ومعدن أصيل، ولكن لأن المسلمين لم يمارسوا القرار

السياسي بالشكل الصحيح، ولم يشارك الدعاة والعلماء خاصة بهذا القرار فقد ضعف

فيهم هذا الجانب، مما جعلهم يتحركون خبط عشواء ويظنون أنهم يمارسون

(السياسة) .

وقديماً قالت العرب (قتلت أرض جاهلها) وكأننا لا زلنا نعيش حالة الضعف

التي مرت بها الأمة الإسلامية في فترات من تاريخها حين ظهرت كتابات سياسية

تفصل بين الدين والسياسة فيقول أحدهم: (والسياسة سياستان، سياسة الدين

وسياسة الدنيا، فسياسة الدين ما أدى إلى قضاء الفرض، وسياسة الدنيا ما أدى إلى

عمارة الأرض) [1] . والآن يقال: هذا من المصلحة السياسية ولو عارضت

المبادئ الإسلامية، بينما نجد أنه في حالات القوة ظهرت كتابات تقول: إن

السياسة يجب أن تتبع الشرع وأن أي تنظيم لأمور الدنيا إنما هو لرعاية الدين، وقد

كتب إمام الحرمين [2] مهاجماً من يريد فصل السياسة عن الشريعة وأطال النَفَس

فيه وقال معتذراً عن هذه الإطالة: (وإنما أرخيت في هذا الفصل فضل زمامي وجاوزت حد الاقتصاد في كلامي لأني تخيلت انبثاث هذا الداء العضال في صدور الرجال) [3] . وقال أيضاً: (وإنما ينسلُّ عن ضبط الشرع من لم يحط بمحاسنه ولم يطَّلع على خفاياه ومكامنه، فلا يسبق إلى مكرمة سابق إلا ولو بحث عن الشريعة لألفاها أو خيراً منها في وضع الشرع) [4] .

والحقيقة أننا ما زلنا نعيش في مرحلة ما بعد الحضارة الإسلامية ولم ندخل

بقوة مرة ثانية لصنع هذه الحضارة. هذه المرحلة يصفها مالك بن نبي بقوله:

(ولو أردنا أن نسمي هذه المرحلة الخالية من الروح والعقل لكل حضارة لأطلقنا

عليها بلا تردد اسم المرحلة (السياسية) بالمعنى السطحي لكلمة سياسة) [5] ويبدو

أننا نفهم السياسة كما يصفها أحد الغربيين (بارتيلمي سانتهيلر) : (إن السياسة

وهي مستغرقة في مشاكل الساعة لا يسعها أن تسمو إلى المبادئ) [6] .

فإذا جئنا إلى قضايانا الكبرى لنطبق عليها مفهومنا للسياسة الشرعية، وكيف

نتعامل في كل مرحلة فماذا نحن فاعلون؟ إن القضية السياسية الأهم خلال هذا

القرن كله هي قضية فلسطين، التي جعلها الله مركز الصراع بيننا - وبين اليهود

والنصارى من أمم الغرب. وإذا كان المسلمون على وعي بأن يرفضوا ما يسمى

(مؤتمر السلام) والذي هو في حقيقته مؤتمر لإذلال المسلمين ولإزالة العداوة

والبغضاء من قلوب المسلمين لليهود واعتراف بوجودهم وحقهم في أرض

فلسطين..؛ إذا كانوا على وعي بهذا فلماذا يخدعون للمرة الألف بالمتاجرين بهذه القضية، لقد تاجر بها القوميون والاشتراكيون والانتهازيون وكلهم سقط وانكشف في أتون المعركة الحقيقية، ولم يبق إلا الشاب المسلم والطفل المسلم والمرأة المسلمة الذين يقفون ببطولة أمام صلف اليهود.

ومن الذين تاجروا ويتاجرون بهذه القضية الإيرانيون ومنذ بداية ثورتهم،

ولكننا وجدناهم بعد فترة قصيرة يشترون الأسلحة من إسرائيل؛ أو تكون إسرائيل

وعملاؤها وسطاء لشراء الأسلحة الأمريكية، وأثناء انعقاد مؤتمر طهران هلك

اليهودي البريطاني (ماكسويل) صاحب الشركات ودور النشر والصحافة،

وانكشف أمره في صفقات الأسلحة لإيران وعمالته للموساد. والعجيب أن الذين

ذهبوا إلى طهران كانوا يهاجمونها لأنها وقفت موقفاً رديئاً من المجاهدين الأفغان،

ويهاجمونها لأنها وقفت موقفاً متخاذلاً أيام حرب الخليج ووقفت موقفاً سلبياً من

القضية الفلسطينية، فكيف أصبحت الآن هي القابضة على ناصية تحرير فلسطين.

وإذا كنا لا نقبل بمؤتمر مدريد فهل المزايدات والشعارات ستساعد في تحرير

فلسطين ونحن نعلم أن الصراع طويل وطويل بيننا وبين اليهود ومَنْ وراءهم فلماذا

لا يكون هناك خطوات قوية على الطريق، وما يقوم به إخواننا المجاهدون في

فلسطين هو خطوة كبيرة، ولكن لابد من تكتل للمسلمين يقابل هذا الحشد من أمم

الغرب علينا، لابد من تكتل القوى الصادقة من أصحاب العقائد الصافية، لابد من

إعداد أجيال قوية، وتوعية الشعوب وتقوية الاقتصاد، وإن جورج ووديع لا

يملكون حلاً، وهم الذين شجعوا على ضرب الفلسطينيين عام 1970 وهم الذين

أساؤوا إلى سمعة الفلسطينيين بأعمالهم الاستعراضية.

إن تاريخ المسلمين في هذا العصر مليء بالتجارب الغنية في مجال التحالفات

والحوار،. وفشلا ونجاحها، وقد كتب الكثير حول أمور كانت مجهولة في السابق

عن العقائد والفرق، وعن أشخاص بارزين، فلماذا لا يستفاد من هذا كله، وكم كنا

نتمنى أن ننتهي من عصر الشعارات الفارغة والمزايدات والمؤتمرات الكلامية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015