إنك إذا تتبعت هذه الخمس واحدة واحدة وجدت المخدرات مما يقوض أركانها ويزلزل بنيانها على شيء من التفاوت: -
أ - وأقرب هذه الخمسة إلى التأثر بالمخدرات وأحقه بالمحافظة عليه في ظل هجران هذه الخبائث هو العقل، والعقل هو تلك اللطيفة الربانية التي يبصر بها الإنسان وجوه الصواب وطرق الرشاد ويعبد بها ربه، والتي ينوه الله سبحانه بها فيجعلها وقاية من الشرور وسلامة من العذاب يوم القيامة إذا سلمت من الهوى، فيقول في الحديث عن بعض ما يصدر من أهل النار وهم في سعيرها: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (?) ويقول سبحانه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (?)
إن هذا العقل الذي استحق به الإنسان أن يكون خليفة في الأرض، وسخر الله له جميع الكون لعرضة للتضحية به في شربة كأس أو مضغة حشيش أو أفيون أو غيرها من الخبائث، فويل لمن خسر عقله ضحية متعة موهومة أو نشوة منقضية مذمومة؛ لأن ورءاها آفات تفسد الحياة، وترد الإنسان من شر ما خلق الله.
ألست ترى ذبول أبدانهم وصفرة ألوانهم، وتعشيش الفقر في بيوتهم ولفظ المجتمع لهم، وترحيب السجون بهم، وهل سميت المخدرات إلا لأنها تغطي العقل، والعقل إذا تغطى عبث الذئب بصاحبه، وصار أطوع من الطفل لشيطانه، فلم يستح من فعل يصدر منه ولم يفكر في كلمة تخرج من فمه، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه، أما قلب المتخدر فإنه في إجازة لا يدري متى يعود منها، وأما لسانه فإنه ينطق بلا عقل يريه كيف ينطق، ولهذا روي أن نصيبا الشاعر قال