وأما تشريع هذا الدين لما فيه مصالح العباد، وما يدرأ عنه الشر والفساد فإنه يرتبط برحمة الله، ولا ينفك عنها، ولكن المجال يقتضي أن نتناوله من الزاوية التي طرقها علماء الأصول وأئمة الفقه حتى تتجلى علاقته بموضوع البحث، وقد صرحوا بأن أحكام الله سبحانه موضوعة لمصالح العباد، وكلما كانت المصلحة في أمر مفيد طلب الشارع لذلك الأمر بقدر ما فيه من مصلحة خالصة أو راجحة، وكلما كان في الفعل مفسدة خالصة أو راجحة تقع على المكلف في بدنه أو عقله أو ماله أو المجتمع الذي يعيش فيه أو غيره، فهذا الفعل محظور في الشرع بقدر ما فيه من مفسدة، وإن لم يرد نص من الشارع يطلب الفعل أو يمنعه، فأما ما فيه نص فما في النص من الأمر بالشيء أو النهي عنه ففيه كفاية؛ لأن الله سبحانه أعلم بعباده وما هو خير لهم، ويكون البحث مقصودا لتعرف حكمة الله بعد معرفة حكم الله حتى ينشط المكلف أو يزداد نشاطه لتنفيذ التكليف، ولهذا بعث الرسل إليهم يدعونهم إلى ما فيه خيرهم ويحولون دون ما فيه شرهم.

وأما ما لا نص فيه فهو محال اجتهاد المجتهد وهو مثوب بقدر اجتهاده، ولو أخطأ في تعرف حكم الله مع شروط تقيده بالبحث وتلزمه ببذل الطاقة والجهد {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (?) وهذا مما يسير بالمكلف إلى الخير في الجملة ويذوده عن الشر، كذلك مع ما تقتضيه طبيعة العقل إذا تجرد عن الهوى ولم يصرف عن الحق.

ومن عبارات الأصوليين في هذا المقام ما جاء في كتاب الموافقات للشاطبي، قال رحمه الله: (?) " والمعتمد أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه أحد؛ فإن الله تعالى يقول في بعثة الرسل وهو الأصل: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015