وكذلك المحرمات وما يتصل بالتحريم من الترخيص برفع الإثم والحرج في مثل قوله جل شأنه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (?) ألست ترى أن الآية الكريمة حصرت المحرم فيما كان أذى أو رجسا أو فسقا لا يتفق مع شكر المنعم، وبينت أن من اضطر إلى شيء من ذلك فإن ربك غفور رحيم.
ويذكر سبحانه نفسه الكريمة بوصف الربوبية ثم يصف نفسه بأنه غفور رحيم، وفي هذا المجال يبيح الفقهاء الخمر ونحوهما بإباحة الله عند الاضطرار كإساغة اللقمة حين لا يجد غيرها، ويصرح بعضهم بإباحة المخدر إذا كان في حد التداوي مع تعينه لذلك، فالأصل فيه التحريم؛ لما فيه من الفساد والله لا يحب الفساد، أفلا يكون في هذا التشريع العظيم والذكر الحكيم ما يرد إلى نفوس المعرضين شيئا من الحياء الفطري فيرعووا عن الإصرار ويعودوا إلى حظيرة الأبرار، اللهم أنت الموفق الرحيم.
ما أكثر صور الرحمة ومظاهرها في تشريع الله سبحانه حتى يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في بعض ما يروى عنه: «إنكم تتقحمون في النار وأنا آخذ بحجزكم (?)». . .
فهذا تصوير بالمحسوس يمثل حال الإنسان مع هداية الرحيم الرحمن، إنه يرمي بنفسه في المهالك ولكن نبي الرحمة هو الذي وصفه الله سبحانه بقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (?) فكان من إحسان الله ورحمته أن بعث إلينا رسولا هذه صفته، ونرجو أن نكون على نهجه في الرحمة، ولعل من هذا أن نتطلف في دعوة الناس بالحسنى؛ ليثوبوا إلى رشدهم وينقذوا نفوسهم من براثن هذه الخبائث. . وبالله التوفيق.