كان نزولها بعد ذلك فإنما اقتضت النهي عن قرب المسجد الحرام ولم تقتض المنع من دخول الكفار سائر المسجد، فإن قيل: لا يجوز للكافر دخول الحرم إلا أن يكون عبدا أو صبيا أو نحو ذلك لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (?) ولما روى زيد بن يثيع عن علي رضي الله عنه أنه نادى بأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الحرم مشرك». قيل له: إن صح هذا اللفظ فالمراد أن لا يدخله للحج، وقد روي في أخبار عن علي أنه نادى أن لا يحج بعد العام مشرك وكذلك في حديث أبي هريرة، فثبت أن المراد دخول الحرم للحج وقد روى شريك عن أشعث عن الحسن عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقرب المشركون المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلا أن يكون عبدا أو أمة لحاجة به» إذ لم يفرق أحد بين العبد والحر، وإنما خص العبد والأمة - والله أعلم - بالذكر لأنهما لا يدخلانه في ألاغلب الأعم للحج.
وقد حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، قال: أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (?) قال عطاء: المسجد الحرام الحرم كله، قال ابن جريج: وقال لي عمرو بن دينار مثل ذلك، قال أبو بكر: والحرم كله يعبر عنه بالمسجد إذا كانت حرمته متعلقة بالمسجد، وقال الله تعالى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (?) والحرم كله مراد به، وكذلك قوله تعالى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (?) قد أريد به الحرم كله لأنه في أي الحرم نحر البدن أجزأه، فجائز على هذا أن يكون المراد بقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} (?) الحرم كله للحج، إذ كان أكثر أفعال المناسك متعلقا بالحرم كله