ظهر لي لعدم تعيين المطابقة وعدمها اللذين هما ضابطا الصدق والكذب، وعلى ذلك يقع الفرق بينه وبين الكذب وبين الصدق فلا يوصف بواحد منهما، ويختص بالماضي والحاضر- وبعد إيراده اعتراضا وإجابته عنه قال: واعلم أن الفقهاء اختلفوا في الوعد هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟ قال مالك: إذا - سألك أن تهب له دينارا فقلت: نعم، ثم بدا لك لا، يلزمك ولو كان افتراق الغرماء عن وعد وإشهاد لأجله لزمك لإبطالك مغرما بالتأخير.

قال سحنون: الذي يلزم من الوعد قوله: اهدم دارك وأنا أسلفك ما تبني به، واخرج إلى الحج وأنا أسلفك، أو اشتر سلعة، أو تزوج امرأة وأنا أسلفك؛ لأنك أدخلته بوعدك في ذلك، أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق، وقال أصبغ: يقضي عليك به تزوج الموعود أم لا. وكذا أسلفني لأشتري سلعة كذا، لزمك، تسبب في ذلك أم لا. والذي لا يلزم من ذلك أن تعده، من غير ذكر سبب، فيقول: أسلفني كذا فتقول: نعم. بذلك قضى عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - وإن وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك؛ لأنه إسقاط لازم للحق سواء قلت: له أؤخرك أو أخرتك، وإذا أسلفته فعليك تأخيره مدة تصلح لذلك، وحينئذ تقول مرجع الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يقتضي بعضها الوفاء به وبعضها عدم الوفاء به: إنه إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم كما قال مالك وابن القاسم وسحنون، أو وعده مقرونا بذكر السبب كما قال أصبغ لتأكد العزم على الدفع حينئذ، ويحمل عدم اللزوم على خلاف ذلك مع أنه قد قيل في الآية إنها نزلت في قوم كانوا يقولون: جاهدنا، وما جاهدوا، وفعلنا أنواعا من الخيرات، وما فعلوها ولا شك أن هذا محرم؛ لأنه كذب، ولأنه تسميع بطاعة الله وكلاهما محرم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015