بعد تقرير أدلة القائلين بإفادة أحاديث الصحيحين القطع، والمنكرين لذلك، نأتي إلى أمر آخر وهو تحديد مرتبتي أحاديث الصحيحين والخبر المشهور من حيث الثبوت.
والذي نراه حقا هو أن أحاديث الصحيحين أعلى مرتبة من الخبر المشهور. ودليلنا على ذلك من وجوه:
أولا: إن المحدثين قد أطبقت كلمتهم على أن أعلى درجات الصحيح ما اتفق عليه الشيخان، بل كاد أن يكون مجمعا عليه عند المتبحرين. كما صرح به الشيخ اللكنوي (?).
ولا فرق في ذلك بين أن يكون الصحيح مشهورا أو غير مشهور.
ثانيا: أحاديث الصحيحين متلقاة بالقبول، وقال ابن حجر:
هذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر (?).
ولذلك أخر المشهور عن أحاديث الصحيحين عندما ذكر أنواع الخبر المحتف بالقرائن.
ثانيا: أحاديث الصحيحين وقع على صحتها الإجماع كما سبق، ودلالة الإجماع أقوى من الخبر المشهور كما صرح به الحافظ بدر الدين العيني (?).
فمقتضى هذه الأمور أن يكون الخبر المشهور الذي لا يوجد في الصحيحين أنزل مرتبة من أحاديث الصحيحين.