لا يقطع بصحتها، ولو انفرد الواحد منهم بالشهادة لم يثبت الحق به، فدل على أن قوله ليس مقطوعا به. وإن أبدوا في ذلك منعا كان خلاف إجماع الصحابة، فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما كانوا يقضون بإثبات الحقوق إلا بشهادة شاهدين.
ولا عمدة للخصم إلا أن الأمة أجمعت على تلقي هذين الكتابين بالقبول واتفقوا على العمل بهما، وهذا لا يدل على أنه مقطوع بصحتهما، فإن الأمة إنما عملت بهما لاعتقاد الأمانة والثقة في الرواية، وليس كل ما يوجب العمل به كان مقطوعا بصحته (?).
فهذا ما قاله النووي وابن برهان يتضمن عدة أمور حاولا بمجموعها الرد على من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع، فنذكر واحدا واحدا منها على ما يليق بها من الإجابة عنها.
فأولا: أساس رأي كل من النووي وابن برهان وغيرهما في الرد على من قال بإفادة أحاديث الصحيحين القطع أمر واحد وهو:
أن أحاديث الصحيحين غير المتواترة آحاد، والآحاد لا تفيد إلا الظن، والعلم إنما يحصل من المتواتر.؟ كما مر في كلام النووي وابن برهان. فقولهم هذا لا يستقيم جوابا في رأينا أصلا، ولا يناسب لمقاومة ما ادعاه ابن الصلاح وغيره.
وتفصيل ذلك: إن المتواتر الذي يدعى بحصول العلم به كثيرا، ويكثر دورانه في المناقشات الفقهية والعقائدية وغيرها، ويبالغ في الالتجاء إليه إثباتا، ونفيا، وإلزاما وتسليما، لا يتسم بشيء من التحديد والانضباط في الوصف، بل اضطربت فيه آراء الأصوليين، واختلفوا في تعريفه، وشرائطه، وما يفيد به، اختلافا شديدا.