القول الثاني أن الخمر إذا خللت لا تكون طاهرة. ومن قال بهذا الشافعية، والحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد جاء في المهذب " وإن خللت بخل أو ملح لم تطهر " (?).
وقال ابن قدامة: وإن خللت لم تطهر، وقال المرداوي تعليقا على ذلك: اعلم أن الخمرة يحرم تخليلها على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب (?).
وقال شيخ الإسلام: والصحيح أنه إذا قصد تخليلها لا تطهر بحال (?). واستدل لهذا القول بالسنة والأثر والمعنى، أما السنة فما رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة عن أنس - رضي الله عنه - أن «أبا طلحة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها، قال: أفلا أجعلها خلا؟ قال: " لا (?)». وجه الدلالة أنه نهاه عن التخليل فدل على أنه لا يجوز.
وأجاب الطحاوي عن ذلك فقال: إنه محمول على التغليظ والتشديد؛ لأنه كان في ابتداء الإسلام كما ورد ذلك في سؤر الكلب، بدليل أنه ورد في بعض طرقه الأمر بكسر الدنان، وتقطيع الزقاق، رواه الطبراني في معجمه، حدثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا معتمر، ثنا ليث عن يحي بن عباد، عن أنس، عن أبي طلحة، قال «قلت يا رسول الله إني اشتريت خمرا لأيتام في حجري، فقال أهرق الخمر، وكسر الدنان (?)» انتهى.
ورواه الدارقطني أيضا، وروى أحمد في مسنده، حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم عن حمزة بن حبيب، عن ابن عمر - رضي الله عنه - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شق زقاق الخمر بيده في أسواق المدينة»، وقد تقدم بتمامه في أحاديث تحريم الخمر، وهذا صريح في التغليظ؛ لأن فيه إتلاف مال الغير، وقد كان يمكن إراقة الدنان والزقاق وتطهيرها، ولكن قصد بإتلافها التشديد