منها لم يلغه الشارع وظهور الأمر بخلافه لا يقدح في كونه دليلا كالبينة والإقرار وأما سقوط الحد عن المعترف فإذا لم يتسع له نطاق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأحرى أن لا يتسع له نطاق كثير من الفقهاء ولكن اتسع له نطاق الرءوف الرحيم فقال إنه قد تاب إلى الله وأبى أن يحده ولا ريب أن الحسنة التي جاء بها من اعترافه طوعا واختيارا خشية من الله وحده وإنقاذا لرجل مسلم من الهلاك وتقديم حياة أخيه على حياته واستسلامه للقتل أكبر من السيئة التي فعلها فقاوم هذا الدواء لذلك الداء، وكانت القوة صالحة فزال المرض وعاد القلب إلى حال الصحة فقيل لا حاجة لنا بجدل وإنما جعلناه طهرة ودواء، فإذا تطهرت بغيره فعفونا يسعك فأي حكم أحسن من هذا الحكم وأشد مطابقة للرحمة والحكمة والمصلحة وبالله التوفيق.
وقد روينا في سنن النسائي من حديث الأوزاعي ثنا أبو عمار شداد قال حدثني أبو أمامة «أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي فأعرض عنه ثم قال: إني أصبت حدا فأقمه علي فأعرض عنه ثم قال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فأعرض عنه فأقيمت الصلاة فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي قال: هل توضأت حين أقبلت؟ قال: نعم قال: هل صليت معنا حين صلينا؟ قال: نعم قال: اذهب فإن الله قد عفا عنك (?)» وفي لفظ: «إن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك (?)» ومن تراجم النسائي على هذا الحديث من اعترف بحد ولم يسمه وللناس فيه ثلاث مسالك هذا أحدها والثاني: أنه خاص بذلك الرجل. والثالث: سقوط الحد بالتوبة قبل القدرة عليه. وهذا أصح المسالك.