وأما الرابع فإن الموضع في الجملة يحتمل نظرين: نظر من جهة إثبات الحظوظ، ونظر من جهة إسقاطها، فإن اعتبرنا الحظوظ فإن حق الجالب أو الدافع مقدم وإن استضر غيره بذلك؛ لأن جلب المنفعة أو دفع المضرة مطلوب للشارع مقصود، ولذلك أبيحت الميتة وغيرها من المحرمات الأكل، وأبيح الدرهم بالدرهم إلى أجل للحاجة الماسة للمقرض والتوسعة على العباد والرطب باليابس في العرية للحاجة الماسة في طريق المواساة إلى أشياء من ذلك كثيرة دلت الأدلة على قصد الشارع إليها، وإذا ثبت هذا فما سبق إليه الإنسان من ذلك قد ثبت حقه فيه شرعا بحوزه له دون غيره، وسبقه إليه لا مخالفة فيه للشارع فصح، وبذلك ظهر أن تقديم حق المسبوق على حق السابق ليس بمقصود شرعا إلا مع إسقاط السابق لحقه، وذلك لا يلزمه بل قد يتعين عليه حق نفسه في الضروريات فلا يكون له خيرة في إسقاط حقه؛ لأنه من حقه على بينة ومن حق غيره على ظن أو شك، وذلك في دفع الضرر واضح، وكذلك في جلب المصلحة إن كان عدمها يضر به، وقد سئل الداودي: هل ترى لمن قدر أن يتخلص من غرم هذا الذي يسمى بالخراج إلى السلطان أن يفعل قال: نعم ولا يحل له إلا ذلك. قيل له: فإن وضعه السلطان على أهل بلده وأخذهم بمال معلوم يردونه على أموالهم هل لمن قدر على الخلاص من ذلك أن يفعل وهو إذا تخلص أخذ سائر أهل البلد بتمام ما جعل عليهم؟ قال: ذلك له) إلى أن قال:

هذا كله مع اعتبار الحظوظ وإن لم نعتبرها فيتصور هنا وجهان:

أحدهما: إسقاط الاستبداد والدخول في المواساة على سواء، وهو محمود جدا وقد فعل ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015