وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة صنفها في هذه المسألة إجماع العلماء أنه لا يجوز العمل بالحساب في إثبات الأهلة، وهو - رحمه الله - من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف (?).

والأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها تدل على ما دل عليه الإجماع المذكور، ولست أقصد من هذا منع الاستعانة بالمراصد والنظارات على رؤية الهلال ولكني أقصد منع الاعتماد عليها أو جعلها معيارا للرؤية لا تثبت إلا إذا شهدت لها المراصد بالصحة، أو بأن الهلال قد ولد فهذا كله باطل، ولا يخفى على كل من له معرفة بأحوال الحاسبين من أهل الفلك ما يقع بينهم من الاختلاف في كثير من الأحيان في إثبات ولادة الهلال أو عدمها، وفي إمكان رؤيته أو عدمها، ولو فرضنا إجماعهم في وقت من الأوقات على ولادته أو عدم ولادته لم يكن إجماعهم حجة لأنهم ليسوا معصومين بل يجوز عليهم الخطأ جميعا، وإنما الإجماع المعصوم الذي يحتج به هو إجماع سلف الأمة في المسائل الشرعية؛ لأنهم إذا أجمعوا دخلت فيهم الطائفة المنصورة التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها لا تزال على الحق إلى يوم القيامة، وأما الاحتجاج بالكسوف فمن أضعف الحجج؛ لأنه لا يوجد نص من كتاب الله عز وجل ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الخسوف للقمر لا يقع إلا في ليالي الأبدار، وأن الكسوف للشمس لا يكون إلا أيام الاستسرار، كما يقوله بعض العلماء بل قد صرح جمع من أهل العلم بأنه يجوز أن يقع في كل وقت، وذكر غير واحد منهم أنه يمكن وقوعه في يوم عيد الفطر وعيد النحر، وهذان اليومان ليسا من أيام الأبدار ولا من أيام الاستسرار، فنقابل من قال إنه لا يقع الخسوف إلا في ليالي الأبدار وأيام الاستسرار بقول من قال: إنه يمكن وقوعه في كل وقت، وليس قول أحدهما بأولى من الآخر، وتسلم لنا الأدلة الشرعية التي ليس لها معارض، وليس في شرع الله سبحانه ولا في قدرته فيما نعلم ما يمنع وقوع الكسوف في كل وقت لأن الله عز وجل له القدرة الكاملة على كل شيء وله الحكمة البالغة في جميع ما يقدره ويشرعه لعباده، وقد أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم، أن كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015