يقع من الكسوف في كل زمان ولم يخبر عباده بما يجب عليهم اعتباره وقت الكسوف من جهة إثبات الأهلة، مع أنه سبحانه أخبرهم على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بما يشرع لهم وقت الكسوف من صلاة وغيرها، ونظرا إلى أن قول الفلكيين إن كسوف الشمس لا يكون إلا في آخر الشهر وفي ليالي استسرار القمر ليس عليه دليل يعتمد عليه وتخالف من أجله الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صرح جمع من أهل العلم بأن كسوف الشمس يمكن وقوعه في غير آخر الشهر والله سبحانه على كل شيء قدير، وكون العادة الغالبة وقوعه في آخر الشهر لا يمنع وقوعه في غيره، ونظرا إلى أن بعض الناس قد يرتاب في العمل بالسنة بسبب أقوال الفلكيين، وقد يحمله ذلك على تكذيب البينة العادلة برؤية الهلال، رأيت التنبيه على هذا الأمر إيضاحا للحق وكشفا للشبهة ونظرا للشريعة المحمدية ودفاعا عن حكم الشريعة الإسلامية في هذا الأمر العظيم الذي يتعلق بجميع المسلمين.
فأقول: قد صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب اعتماد الرؤية في إثبات الأهلة أو إكمال العدد، وهي أحاديث مشهورة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكمه صلى الله عليه وسلم لا يختص بزمانه فقط بل يعم زمانه وما يأتي بعده إلى يوم القيامة؛ لأنه رسول الله إلى الجميع، وأنه سبحانه الذي أرسله إلى الناس وأمره أن يبلغهم ما شرعه لهم في إثبات هلال رمضان وغيره. وهو العالم بغيب السماوات والأرض، والعالم بما سيحدث بعد زمانه صلى الله عليه وسلم من المراصد وغيرها. ويعلم سبحانه ما يقع من الكسوفات، ولم يثبت عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه قيد العمل بالرؤية بموافقة مرصد أو عدم وجود كسوف، وهو سبحانه وتعالى لا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء، لا فيما سبق من الزمان ولا فيما يأتي إلى يوم القيامة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس إبهامه في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه العشر (?)» يرشد بذلك أمته عليه الصلاة والسلام إلى أن الشهر تارة يكون تسعا وعشرين وتارة يكون ثلاثين، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ولا تفطروا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة (?)» ولم يأمر بالرجوع إلى الحساب ولم يأذن في إثبات الشهور بذلك.