وفي المجال الداخلي كانت الشريعة الإسلامية، وستظل إن شاء الله، الراية التي نستظل بها، والمنطق الذي نسير منه، والهدف الذي نسعى إليه، نحتكم لمبادئها ونستضيء بنبراسها ونعض عليها بالنواجذ لا تأخذنا فيها لومة لائم ولا تصدنا عنها عراقيل الزمن، نجد فيها جوهر العدل، والعدل أساس الملك، وتدفعنا مبادئها إلى النهوض والبناء وتحثنا على التكاتف والتآزر في الداخل والخارج.
من هذا المنطلق الإسلامي سوف تستمر حكومتنا في خطتها للتنمية في كافة القطاعات التي غطاها مشروع الخطة الخمسية الثانية، التي توشك على الصدور في المستقبل القريب إن شاء الله، وترجو أن يصاحب تنفيذها ويتلوه تعديلات ملموسة وجوهرية في مستوى معيشة الشعب ورفاهيته وتحقيق أرقى مستويات الضمان الاجتماعي لأفراده، ومكافحة الأمية، وتيسير التعليم بكافة مراحله لجميع أبناء الشعب حتى تتطور الموارد البشرية إلى المستوى الذي يمكننا من القيام بمسئولياتنا الجسيمة في الغد المشرق الذي يتدفق فيه الرخاء، لا من مصدر واحد، لا هو البترول فحسب، بل من الصناعات بكل أنواعها البترولية والتعدينية والثقيلة والخفيفة، ومن الزراعة التي نكتفي بها ذاتيا عن كثير مما نستورد ومن كافة ثرواتنا الطبيعية التي تكمن في أرض وطننا الكبير. . وسوف تستكمل إن شاء الله كافة التجهيزات الأساسية التي تحتاجها النهضة المباركة كالاستمرار في دعم القوات المسلحة وتوفير جميع الإمكانيات اللازمة لها؛ لتكون درعا لوطننا العزيز وقوة للدفاع عن الأمة العربية وقضيتها الكبرى، ودعم المستشفيات لتوفر للشعب العلاج وتقيه شر الأمراض، ووسائل المواصلات والطرق والموانئ والمطارات وغيرها من المواصلات السلكية واللاسلكية. . وسيجد السعودي إن شاء الله أينما تواجد في هذه المملكة الواسعة مسكنا مريحا تؤمن له فيه الكهرباء والماء.
كل هذه الأهداف تقتضي الاستمرار في تقوية أجهزة الدولة الإدارية وتنمية كفايتها وفعاليتها وتطوير أنظمتها، حتى تؤدي الخدمات بعيدة عن الفوضى خالية من الروتين.
ولقد حرص العاهل الراحل أن يقدم لشعبه نظاما أساسيا للحكم مستمدا من كتاب الله ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، يرسي للعدل قواعده وينظم علاقات السلطات ببعضها، وصلات الحاكم بالمحكوم. . . يكون من دعائمه مجلس للشورى يضطلع بدوره التنظيمي الهام وأعلن، رحمه الله، عن رغبته تلك، وعمل لتحقيقها بتهيئة الجو الملائم لها، وشرع في مراحل التنفيذ. . وشاءت إرادة الله أن يرحل عنا قبل تحقيق رغبته. . وتجد حكومتنا نفسها ملزمة أمام ذكرى العاهل الراحل بإتمام ما تبقى من الشوط وإبراز هذا العمل الهام؛ ليصبح حقيقة ترسي دعائم الاستقرار وتقوى أجهزة الحكم في بلد وصفه العاهل الراحل بقوله: (إن المملكة العربية السعودية تضم شعبا مؤمنا بربه عاشقا للحرية طموحا إلى مستقبل زاهر).
ولكي تثبت دعائم النظام الأساسي للحكم على قواعد متينة، فسوف تستكمل إن شاء الله جميع الإجراءات التنفيذية لوضع نظام المقاطعات موضع التنفيذ، ليكون هو الآخر لبنة من لبنات بنائنا الشامخ الكبير.
أما سياسة المملكة العربية السعودية الخارجية فقد تولاها العاهل الراحل من عشرات السنين، وأوضح أسسها في أول خطاب بعد بيعته رحمه الله ملكا على البلاد إذ قال: (ولسنا أيضا في حاجة لتكرار الأساس التقليدي الذي تسير عليه سياستنا الخارجية، فنحن منذ أسس هذه الدولة بانيها وواضع أساس نهضتها المغفور له الملك عبد العزيز قد أثبتنا في المجال الدولي إيماننا بالسلام العالمي ورغبتنا في دعمه وتقويته ونشره في ربوع العالم، وكنا ولا نزال نفعل ذلك بوحي من تعاليم ديننا وتقاليدنا العربية الأصيلة. ونحن نؤيد الآن في سبيل ذلك نزع السلاح وتجنيب البشرية مخاطر الأسلحة الفتاكة وندعو إلى حرية تقرير المصير لكل الشعوب وحل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية المرتكزة على الحق والعدل).
وإن من أهم الركائز التي قامت عليها سياستنا الخارجية هي الدعوة للتضامن الإسلامي لرفع شأنه في أقطارهم وتقوية أواصر التعاون بينهم. . .
وحكومتنا إذ تحرص كل الحرص على مواصلة السير في هذا الاتجاه بذات القوة وبنفس الاندفاع، فإنها تؤكد ما أعلنه صاحب دعوة التضامن الإسلامي زعيمنا الراحل بقوله: (إننا لا نستهدف من وراء ذلك نوايا سيئة تجاه الغير أو أن نكون مصدر خطر أو عدوان أو اضطراب بالنسبة للآخرين، وإننا نعتقد أن المسلمين إذا حققوا مبدأ الإرخاء والتعاون والتقدم، فإن نفع ذلك سوف لا ينحصر في المسلمين فقط، ولكنه سيمتد كذلك إلى غيرهم من الأمم الأخرى).
والركيزة الثانية للسياسة الخارجية التي وضعها العاهل الراحل دعم وحدة الصف العربي وإقامة تعاون عربي حقيقي وفعال بين مختلف الشعوب