إلى أرض العدو في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في جواز ذلك في العسكر الكبير المأمون عليه، فلم يفرق مالك بين الصغير والكبير، وقال أبو حنيفة: لا بأس في السفر بالعسكر العظيم. وقال النووي في شرح مسلم: إن أمنت العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهر عليهم فلا كراهة ولا منع حينئذ لعدم العلة، هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا، والصحيح عنه ما سبق. انتهى.
وقول البخاري رحمه الله: (قد سافر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إلى أرض العدو وهم يعلمون القرآن) إن قصد به معارضة النهي عن ذلك فلا تعارض بينهما؛ لأن النهي عن ذلك في المصحف لئلا يتمكنوا منه فينتهكوا حرمته، وليس آدميا يمكنه الدفع عن نفسه بخلاف ما في صدور المؤمنين من القرآن، فإنهم عند العجز عن المدافعة عن أنفسهم لا يعد المهين لهم مهينا للمصحف؛ لأن الذي في صدورهم أمر معنوي، والذي في المصحف مشاهد محسوس- والله أعلم.
3 - يستنبط منه منع بيع المصحف إلى الكافر لوجود المعنى فيه، وهو تمكنه من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك، ولكن هل يصح لو وقع؟ اختلف أصحابنا فيه على طريقين (أصحهما): القطع ببطلانه، (والثاني): إجراء الخلاف الذي في بيع العبد المسلم للكافر فيه، والفرق بينهما على عظم حرمة المصحف، وأنه لا يمكنه دفع الذل عن نفسه بالاستعانة بخلاف العبد (?).
وقال النووي:
" اتفقوا على أنه لا يجوز المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه في أيديهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (?)». واتفقوا أنه يجوز أن يكتب إليهم الآية والآيتان وشبههما في أثناء كتاب؛ لحديث أبي سفيان رضي الله عنه «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى هرقل عظيم الروم كتابا فيه: (?)» الآية (?).