وقال النووي:
" قوله: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (?)»، وفي الرواية الأخرى: «مخافة أن يناله العدو (?)»، وفي الرواية الأخرى: «فإني لا آمن أن يناله العدو (?)»؛ فيه النهي عن المسافرة بالمصحف إلى أرض الكفار للعلة المذكورة في الحديث، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أمنت هذه العلة بأن يدخل في جيش المسلمين الظاهرين عليهم فلا كراهة ولا مانع منه حينئذ لعدم العلة، هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاري وآخرون، وقال مالك وجماعة من أصحابنا بالنهي مطلقا، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة الجواز مطلقا، والصحيح عنه ما سبق، وهذه العلة المذكورة في الحديث هي من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وغلط بعض المالكية فزعم أنها من كلام مالك، واتفق العلماء على أنه يجوز أن يكتب إليهم كتاب فيه آية أو آيات، والحجة فيه كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هرقل، قال القاضي: وكره مالك وغيره معاملة الكفار بالدراهم والدنانير التي فيها اسم الله تعالى وذكره سبحانه وتعالى " (?).
وقال الأبي:
" قوله: "نهى"، قلت: لا يدخل الخلاف المذكور في قول الراوي: نهى لتصريحه بالنهي في الطريق الثاني.
قوله: «أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو (?)» (ع) المراد بالقرآن هنا المصحف، وكذا جاء مفسرا في بعض الأحاديث، قلت: لم يكن المصحف مكتوبا حينئذ فلعله من الإخبار عن مغيب، أو لعله كان مكتوبا في رقاع فيصح ويتقرر النهي عن السفر بالقليل والكثير منه، لا سيما على القول أن القرآن اسم جنس يصدق على القليل والكثير، وأما على القول بأنه اسم للجمع فيتعلق النهي بالقليل لمشاركته الكل في القلة، فإن حرمة القليل منه كالكثير.
(ع) واختلف في السفر به، فمنعه مالك وقدماء أصحابه وإن كان الجيش كبيرا؛ لأنه قد ينسى أو يسقط، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة جوازه مطلقا، والصحيح عنه جوازه في الجيش الكبير دون السرايا؛ لأن نيل العدو إياه مع الجيش الكبير نادر لا