عبد الحميد عن يحيى بن عبد الله الجابر به.

ودفع بأن محل النزاع كون الشهادة لا يعمل بها إلا مع قيام الرائحة، والحديث المذكور عن ابن مسعود ليس فيه شهادة منع من العمل بها؛ لعدم الرائحة وقت أدائها، بل ولا إقرار إنما فيه أنه حده بظهور الرائحة بالترترة والمزمزة، والمزمزة: التحريك بعنف والترترة والتلتلة التحريك، وهما بتاءين متتاليتين من فوق، قال ذو الرمة يصف بعيرا:

بعيد مساف الخطو غوج شمردل ... تقطع أنفاس المهارى ثلاثا

أي حركاته، والمساف جمع مسافة، والغوج بالغين المعجمة الواسع الصدر، ومعنى تقطع ثلاثا أنفاس المهارى أنه إذا بارها في السير أظهر في أنفاسها الضيق لما يجهدها، وإنما فعله؛ لأن بالتحريك تظهر الرائحة من المعدة التي كانت خفت، وكان ذلك مذهبه، ويدل عليه ما في الصحيحين عن ابن مسعود «أنه قرأ سورة يوسف فقال رجل: ما هكذا أنزلت، فقال عبد الله: والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: أحسنت (?)»، فبينما هو يكلمه إذ وجد منه رائحة الخمر فقال: أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب فضربه الحد.

وأخرج الدارقطني بسند صحيح عن السائب بن يزيد عن عمر بن الخطاب أنه ضرب رجلا وجد منه ريح الخمر، وفي لفظ ريح شراب. والحاصل أن حده عند وجود الريح مع عدم البينة والإقرار لا يستلزم اشتراط الرائحة مع أحدهما، ثم هو مذهب لبعض العلماء منهم مالك، وقول للشافعي برواية عن أحمد والأصح عن الشافعي وأكثر أهل العلم نفيه، وما ذكرناه عن عمر يعارض ما ذكرنا عنه أنه عزر من وجد منه الرائحة ويترجح؛ لأنه أصح وإن قال ابن المنذر: ثبت عن عمر أنه جلد من وجد منه رائحة الخمر حدا تاما، وقد استبعد بعض أهل العلم حديث ابن مسعود من جهة المعنى وهو أن الأصل في الحدود إذا جاء صاحبها مقرا أن يرد ويدرأ ما يستطيع فكيف يأمر ابن مسعود بالمزمزة عند عدم الرائحة؛ ليظهر الريح فيحده، فإن صح فتأويله أنه كان رجلا مولعا بالشراب مدمنا عليه فاستجاز ذلك فيه (?). انتهى.

ويمكن أن يقال: إنه إنما أمر بترترته ومزمزته؛ لكونه لم يأت تائبا وإنما جاء به عمه؛ ليقام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015