لا يبطله عند محمد - رحمه الله - كما في حد الزنا على ما مر تقريره، وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة؛ لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود رضي الله عنه وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا.
قال: فإن أخذه الشهود، وريحها توجد منه وهو سكران، فذهبوا به من مصر إلى مصر فيه الإمام فانقطع ذلك قبل أن ينتهوا به صرف قولهم جميعا؛ لأن هذا عذر كبعد المسافة في حد الزنا والشاهد لا يتهم في مثله.
". . . ولا حد على من وجد منه رائحة الخمر أو تقيأها " لأن الرائحة محتملة وكذا الشرب، قد يقع عن إكراه أو اضطرار، ويثبت الشرب بشهادة شاهدين ويثبت بالإقرار مرة واحدة، وعن أبي يوسف - رحمه الله - أنه يشترط الإقرار مرتين وهو نظير الاختلاف في السرقة، ولا تقبل فيه شهادة النساء مع الرجال؛ لأن فيها شبهة البدلية وتهمة الضلال والنسيان. انتهى (?).
وقال ابن الهمام على قول صاحب الهداية: والرائحة قد تكون من غيره إلخ. قال: يظهر أن رائحة الخمر مما يلتبس بغيرها، فلا يناط شيء من الأحكام بوجودها ولا بذهابها، ولو سلمنا أنها لا تلتبس على ذوي المعرفة فلا موجب لتقييد العمل بالبينة بوجودها؛ لأن المعقول تقييد قبولها بعدم التهمة، والتهمة لا تتحقق في الشهادة بسبب وقوعها بعد ذهاب الرائحة، بل بسبب تأخير الأداء تأخيرا يعد تفريطا، وذلك منتف في تأخير يوم ونحوه، وبه تذهب الرائحة.
أجاب المصنف وغيره بما حاصله أن اشتراط قيام الرائحة لقبول الشهادة عرف من قول ابن مسعود، وهو ما روى عبد الرزاق حدثنا سفيان الثوري عن يحيى بن عبد الله التميمي الجابر عن أبي ماجد الحنفي قال: جاء رجل بابن أخ له سكران إلى عبد الله بن مسعود فقال عبد الله: ترتروه ومزمزوه واستنكهوه، ففعلوا فرفعه إلى السجن ثم عاد به من الغد ودعا بسوط ثم أمر به، فدقت تمرته بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال للجلاد: اجلد وارجع يدك وأعط كل عضو حقه.
ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني، ورواه إسحاق بن راهويه أخبرنا جرير عن