فالواقع أن حمزة، كان يرعى المسلمين في السلام رعاية الأب لابنه والأم لولدها، كما كان يدافع عنهم في الحرب دفاع القائد الشجاع والبطل المغوار، وصدق كعب في رثائه:
فقد كان عزا لأيتامنا ... وليث الملاحم في البزة
إنه بحق الأب الحنون والأم الرءوم للمسلمين كافة في السلام، والمدافع عنهم بروحه في الحرب.
لقد كان إنسانا رفيعا في سجاياه، من أولئك الذين هيأهم الله للخير والمثل العليا، فكان جل حياته رهين مثله العليا، لا يفكر بغيرها، ولا يعمل إلا من أجلها، فعاش لها ومات دفاعا عنها، ولا نعلم أنه شغل نفسه بالتجارة أو أتعب نفسه للثراء، فقضى عمره فقيرا، ومات فقيرا، ولم يكتنز درهما ولا دينارا، ولا اقتنى دارا أو عقارا، فكان فقيرا بالمادة، غنيا بالروح.
وكان عمره حين استشهد تسعا وخمسين سنة على قول من يقول: إنه كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين، وقيل: كان عمره أربعا وخمسين سنة (?).
فإذا ثبت لنا أن حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنتين (?)، وأنه ولد سنة (579 م)، واستشهد في السنة الثالثة الهجرية (624 م)، فمعنى ذلك أنه عاش ستا وخمسين سنة قمرية، وخمسا وخمسين سنة شمسية.
ومضى حمزة إلى ربه طاهر الذيل، عف اللسان، مرفوع الرأس، طيب الذكر، سخر طاقاته لخدمة عقيدته وخدمة الناس، ولم يسخر عقيدته ولا أحدا من الناس لخدمته، ملك روحه فما ضن بها على الإسلام، بل ضحى بها طوعا مقبلا غير مدبر، فكانت روحه اللبنة الصلدة في صرح الدين الحنيف.