ثم استشهد بقول بعض الشعراء:
إن المفوض سالم ... مما تكلفه المئول
إلى أن قال: [وإذا كان من أول في الصفات ضالا فسنضلل السلف الصالح جميعا لأنهم أولوا قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} (?) قالوا: معهم بعلمه لا بذاته وأولوا قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (?) قالوا: معية علم لئلا تتعدد الذات. وسنحكم بضلال الحافظ ابن كثير؛ لأنه قال في قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُبْصِرُونَ} (?): ملائكتنا أقرب إليه منكم ولكن لا ترونهم كما أول قوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (?) قال: المراد ملائكتنا أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه والحلول والاتحاد منفي بالإجماع، تعالى الله وتقدس. وقال: [بل نقول إنه يتعين التأويل أحيانا كما في الحديث الصحيح «الحجر الأسود يمين الله في أرضه» وكما قال عن سفينة نوح: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} (?) {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} (?).
والجواب أن يقال: قد أحسنت في اختيار مذهب السلف الصالح واعتقاد أنه الأسلم والأحكم، ولكنك لم تثبت عليه بل تارة تختار مذهب التأويل وتارة تختار مذهب التفويض، والواجب على المؤمن الثبات على الحق وعدم التحول عنه، وما ذكرته عن السلف من تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ} (?) بالعلم ليس بتأويل، ولكنه هو معنى آيات المعية عند أهل السنة والجماعة. كما حكى الإمام أبو عمر بن عبد البر وأبو عمر الطلمنكي إجماع أهل السنة على ذلك، وذلك لأن النصوص من الكتاب والسنة الدالة على علوه وفوقيته وتنزيهه سبحانه عن الحلول والاتحاد تقتضي ذلك، ومن تأمل الآيات الواردة في ذلك علم أنها تدل على أن المراد بالمعية العلم بأحوال عباده واطلاعه على شئونهم مع دلالة المعية الخاصة على كلاءته وحفظه ونصره لأنبيائه وأوليائه. مع علمه واطلاعه على أحوالهم، والعرب الذين نزل الكتاب وجاءت السنة بلغتهم يعلمون ذلك ولا يشتبه