أحدنا أن يتكلم به قال: وقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان (?)»، ثم رواه من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، قال: سئل النووي - رحمه الله - في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه.
أما معاني الأحاديث وفقهها فقوله صلى الله عليه وسلم: «ذاك صريح الإيمان ومحض الإيمان (?)»، معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك، واعلم أن الرواية الثانية وإن لم يكن فيها ذكر الاستعظام فهو مراد وهي مختصرة من الرواية الأولى؛ ولهذا قدم مسلم - رحمه الله - الرواية الأولى وقيل معناه: إن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغوائه فينكد عليه بالوسوسة لعجزه عن إغوائه.
وأما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء ولا يقتصر في حقه على الوسوسة بل يتلاعب به كيف أراد، فعلى هذا معنى الحديث سبب الوسوسة محض الإيمان، أو الوسوسة علامة محض الإيمان، وهذا القول اختيار القاضي عياض.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله (?)» وفي الرواية الأخرى: «فليستعذ بالله ولينته (?)»، فمعناه الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه، قال الإمام المازري - رحمه الله -: ظاهر الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى: أن الخواطر على قسمين: فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها يطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل؛ إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «فليستعذ بالله ولينته (?)»، فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه، وليعرض عن الفكر في ذلك وليعلم أن هذا الخاطر من