لأنه سبحانه قد سبق في علمه كل شيء كما قال عز وجل: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (?) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء (?)» خرجه مسلم في صحيحه، ولكنه عز وجل لا يؤاخذ العباد بمقتضى علمه السابق وإنما يؤاخذهم ويثيبهم على ما يعلمه منهم بعد علمهم إياه ووجوده منهم في الخارج، وذكر في الآيات الرابعة والخامسة والسادسة أن الشياطين يوحون إلى أوليائهم من أنواع الشبه وزخرف القول ما يغرونهم به؛ ليجادلوا به أهل الحق ويشبهوا به على أهل الإيمان ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، وليرضوا به؛ فيصولوا ويجولوا ويلبسوا الحق بالباطل ليشككوا الناس في الحق ويصدوهم عن الهدى وما الله بغافل عما يعملون، لكن من رحمته عز وجل أن قيض لهؤلاء الشياطين وأوليائهم من يكشف باطلهم ويزيح شبهتهم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة فيقيموا بذلك الحجة ويقطعوا المعذرة، وأنزل كتابه سبحانه تبيانا لكل شيء كما قال عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (?) وقال سبحانه: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (?) قال بعض السلف: هذه الآية عامة لكل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: أوقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان (?)»، قال بعض أهل العلم في تفسير ذلك: إن الإنسان قد يوقع الشيطان في نفسه من الشكوك والوساوس ما يصعب عليه أن ينطق به لعظم بشاعته ونكارته حتى إن خروره من السماء أهون عليه من أن ينطق به، فاستنكار العبد لهذه الوساوس واستعظامه إياها ومحاربته لها، هو صريح الإيمان؛ لأن إيمانه الصادق بالله - عز وجل - وبكمال أسمائه وصفاته وأنه لا شبيه له، ولا ند له وأنه الخلاق العليم الحكيم الخبير