وقد ذكر ابن القيم أن بعض أهل العراق قد احتج بقول عمر هذا على قبول شهادة كل مسلم لم تظهر منه ريبة، وإن كان مجهول الحال، منهم الحسن البصري، والليث بن سعد - رضي الله عنهما - كما أشار ابن حزم نفسه إلى مذهب أبي حنيفة في هذا في كتاب الشهادات من كتابه المحلى (?).
قلت: وعلى هذا فقد انتقض قول أبي محمد بن حزم في نفيه أن أحدا من الفقهاء- على سبيل العموم - حنفيهم وشافعيهم ومالكيهم لم يقل بذلك، كيف وقد ظهر أن كلام عمر لم يدل على هذا المذهب؟ كما قال ابن القيم.
أما ما ذكره من أن جملة (المسلمون عدول بعضهم على بعض) تخالف قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (?) وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (?) فإنه على ما جرى إيضاحه في أول هذا الكلام لم تكن هناك مخالفة.
على أن هذه الآية دلت على اعتبار العدالة في الشهود، ولكنها لم تبين مفهوم العدالة وما تتحقق به، وقد اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسلام وحده في شهادة الأعرابي فيما روى عكرمة عن ابن عباس قال: «جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت الهلال - يعني: هلال رمضان - فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله، قال: نعم، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله، قال: نعم، قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا (?)» رواه الخمسة (?).
ونخلص من هذا: أن ما قاله المنكرون لا يصح دليلا لإنكار الكتاب أو نفي صدوره عن عمر.
وثالثة الأثافي من الطعون الموجهة لمتن الكتاب ما جاء في بعض رواياته من اختلاف في بعض الألفاظ، فقد ذكر محقق كتاب (أخبار القضاة) عبد العزيز مصطفى المراغي من أن المستشرق مرجوليوث - أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد سابقا - كتب فصلا عن كتاب عمر في مجلة الجمعية الآسيوية عمد فيه للمقارنة