قال القرطبي -رحمه الله-: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة لقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذ كان مستقبل المصلين فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. اهـ.
وبهذا يتبين أن الله سبحانه قد صان قبره صلى الله عليه وسلم إجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد (?)» وأن من توجه إليه إنما هو في الحقيقة قاصد لما قام في قلبه أنه قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فقبره صلى الله عليه وسلم لا يمكن استقباله ولا الوصول إليه.
بل هو كما قال ابن تيمية يرحمه الله تعالى: إن الوصول إلى قبره صلى الله عليه وسلم غير مقدور ولا مأمور. اهـ. وذلك بعد إحاطته بثلاثة جدران.
وقسم غلوا فيه صلى الله عليه وسلم وزعموا أنه يعلم الغيب ويعلم أحوالهم وما هم عليه، بل وصل ببعضهم أن زعم أنه يشاهده ويجتمع به يقظة لا مناما. وهذا تكذيب لكتاب الله وكفر بالله عز وجل يقول سبحانه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (?). ويقول سبحانه: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (?)،