لاحتمال أن يكون نقل ذلك عن الأمم الوثنية التي كانت تدين بهذه العقيدة قبل يوحنا وقبل المسيح عليه السلام. وإذا كان الاتفاق بينهما في المعنى الذي انفرد به يوحنا عن غيره لا يدل على ذكر، فكيف يدل عليه الاتفاق في المعاني الأخرى التي لم ينفرد بها يوحنا؟

فتبين من هذا النقد الوجيز أن ما ذكره بوست وسماه كغيره شهادة لإنجيل يوحنا ليس شهادة، وأن ما سميناه شهادة مندوحة لنا عن القول بأنها شهادة زور. وأما زعمهم أن كتابة هذا الإنجيل توافق سيرة يوحنا ولا يقدر عليه غيره، فهو تمويه نقضوه بقولهم: إنه هو لا يقدر عليه أيضا إلا بالإلهام، إذ كل ملهم يقدر بأقدار الله الذي ألهمه، وليس ليوحنا عندهم سيرة تثبت أو تنفي.

بقي استدلاله الأخير على صحة هذا الإنجيل بأنه لو لم يكن من قلم يوحنا لكان الكاتب له على جانب عظيم من المكر والغش. قال: هذا الأمر يعسر تصديقه؛ لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحيا. . . إلخ. فنقول: إن هذا الاستدلال ينبئ بسذاجة من اخترعه ونقله وغرارتهم، وإن شئت قلت: بغباوتهم أو قصدهم مخادعة الناس. وبطلانه بديهي، فإن الكاتب للمعاني الروحية لا يجب أن يكون روحيا، والكاتب في الفضائل لا يقضي العقل أن يكون فاضلا. وقد كان في مصر كاتب من أبلغ كتاب العربية في الأخلاق والفضائل، ومع هذا وصفه بعض عارفيه بقوله: إن حروف الفضيلة تتألم من لوكها بفمه، ووخزها بسن قلمه. وإن الروحانية التي نجدها في إنجيل برنابا وما فيه من تقديس الله وتنزيهه، ومن الأفكار والصلوات، لهو أعلى وأشد تأثيرا في النفس من إنجيل يوحنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015